هذا والتسوية تحتمل معنيين:
المعنى الأول: جعل القبر سويا ومعنى هذا جعله على الصفة المشروعة وعلى وجه الصواب. والدليل على استعمال سوى بمعنى جعله سويا قول الله تعالى: ((إني خالق بشرا من طين (71) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)) أي إذا جعلته سويا بتمام تصويره وإكمال أعضائه وصلاحه لنفخ الروح فيه. وقول الله تعالى: ((ثم سواه ونفخ فيه من روحه)) قول الله تعالى: ((الذي خلق فسوى)) فتسوية الشيء بهذا المعنى جعله على ما ينبغي أن يكون عليه من الصفة بحيث يصح أن يقال له سوي.
المعنى الثاني: جعل القبر سواء ليس بعضه أرفع من بعض فلا يترك مسنما ولا جانب منه أرفع من جانب ولا فيه شرف.
فأما تفسير بعض الغلاة من مدعي التوحيد للتسوية بالتسوية بالأرض، فإن كان من حيث ثبت عندهم أن المشروع في القبر أن يسوى بالأرض بدليل آخر، فلا يترك من ترابه ولا غيره شيء مرتفعا على ما حوله من الأرض فلم يخالفوا معناه لغة. وإن كانوا ظنوا أن معنى تسوية القبر، تسويته بالأرض لا جعله سواء ولا سويا فهو غلط في التفسير لهذا الحديث، لأن استعمال التسوية بمعنى جعل المسوى مساويا لغيره إنما تكون مقيدة، فيقال سوى هذا بهذا، فمعنى التسوية مع الإطلاق غير معناها مع التقييد.
Página 9