قصة الحضارة
قصة الحضارة
Editorial
دار الجيل
Ubicación del editor
بيروت - لبنان
Géneros
التي استطاعت أن تجتاز تلك المرحلة في تطورها، استفادت بذلك ميزة كبرى تساعدها في تنازع البقاء؛ فالكلب الذي اختزن تحت الثرى عظمة فاضت عن شهيته، وإنها لشهية الكلاب، والسنجاب الذي ادَّخَر البندق لوجبة أخرى في يوم مقبل، والنحل الذي ملأ خليته بالعسل، والنمل الذي خزن زاده أكداسًا اتقاء يوم مطير- هذه جميعًا كانت أول منشئ للمدنية، فقد كانت هي وإضرابها من المخلوقات الراقية أول من علم أجدادنا فن ادخار ما نستغني عنه اليوم إلى الغد. أو اتخاذ الأهبة للشتاء في أيام الصيف الخصيبة بخيراتها.
فيالها من مهارة تلك التي استخرج بها أولئك الأجداد من البر والبحر طعامًا كان بمثابة الأساس لمجتمعاتهم الساذجة! لقد كانوا ينتزعون بأيديهم المجردة انتزاعًا ما يستطيعون أكله مما يبديه سطح الأرض من أشياء، وكنت تراهم يقلدون أو يستخدمون مخالب الحيوان وأنيابه، ويصنعون لأنفسهم آلات من العاج والعظم والصخر، وينسجون الشباك والمصائد والفخاخ من خيوط الحلفاء والليف، ويصطنعون من الوسائل عددًا لا يحصى لاصطياد فريستهم من يابس أو ماء؛ لقد كان لأهل بولينزيا شباك طولها ألف ذراع لا يستطيع استخدامها إلا مائة رجل مجتمعين، وبمثل هذا تطورت وسائل ادخار القوت جنبًا إلى جنب مع النظم السياسية، وكان اتحاد الناس في تحصيلهم للقوت مما أعان على قيام الدولة، أنظر إلى السَّمَّاك من قبيلة "ثِلِنْجِتْ" Thlingit إذ كان يضع على رأسه غطاء يشبه رأس عجل البحر، ثم يخفي نفسه بين الصخور ويصرخ بمثل صوت ذلك الضرب من الحيتان، فتأتيه عجول البحر، فيطعنها بسنان رمحه، لا يجد في ذلك ما يؤنبه عليه ضميره، لأنه يتم على أوضاع يرضاها القتال في صورته البدائية، وكان من عادة كثير من القبائل أن يُلقى سماكوها مادة مخدرة في مجرى الماء ليهون عليهم استجلاب السمك بعد تخديره؛ فأهل تاهيتي- مثلًا- كانوا يلقون في الماء سائلًا مسكرًا يصنعونه من صنف معين من البندق أو ضرب معروف
1 / 12