كما جاء في الحديث: "إن المسجد لينزوي من النخامة، كما تنزوي الجلدة في النار". أي تتقبض وتتجمع. ومنه سميت الزاوية. والعامة تقول: أزويته، وإنما الصواب: زويته، أزويه، فأنا زاو، والمفعول: مزوي. ومنه قولهم: زوى الرجل ماله عن ورثته زيا، إذا عدل به عنهم إلى غيرهم. والفقهاء يقولون: أزوى ماله، ويسمونه: الإزواء، وهو خطأ، كأنهم غلطوا فيه؛ لقولهم: ألجأ ماله، وهو الإلجاء. وقال الأعشىى:
يزيد يغض الطرف دوني كأنما زوى بين عينيه على المحاجم/
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني، إلا وأنفك راغم
وأما قوله: بردت عيني أبردها، فمعناه: كحلتها بالبرود، وهو كحل بارد، قال وكذلك يقال: برد لماء حررة جوفي. وإنما ذكرها؛ لأن العامة تقول: أبردت بالألف. والعرب لا تقوله كذلك. وهو من نوادر الكلام، الخارجة عن القياس لأنك تقول: بَرَدته أنا فبرد هو، فهما فعلان، لمعنيين مختلفين، على مثال واحد وقد بينا من ذلك ما يغني عن الإعادة. وأنشد ثعلب بيت مالك بن الريب:
وعطل قلوصي في الركاب فإنها ستبرد أكبادًا وتبكي بواكيا
ومثله قول الراهب المكي:
إذا وجدت أوار الحب في كبدي بادرت نحو سقاء القوم أبترد
هذا بردت ببرد الماء ظاهره فمن لحر لدى الأحشاء يتقد
1 / 87