وسنسميها بعد الآن: جزيرة طور سيناء، أو جزيرة سيناء، أو الجزيرة، أو سيناء طلبا للاختصار، أما نسبتها إلى طور سيناء؛ فلأن هذا الطور هو أشهر جبالها، وأما سيناء فلغة «الحجر»، قيل سميت البلاد سيناء لكثرة جبالها، وقيل إن اسم سيناء مأخوذ من سين بمعنى القمر في العبرانية، فسميت البلاد سيناء؛ لأن أهلها كانوا قديما يعبدون القمر، قلت: بل يكفي لنسبتها إلى القمر حسن الليالي المقمرة فيها، فإن صفاء جوها، ورقة هوائها، وسعة أرضها تجعل قمرها أبدع الأقمار.
وقد عرفت سيناء في الآثار المصرية باسم «توشويت» - أي أرض الجدب والعراء - وعرفت في الآثار الآشورية باسم «مجان»، ولعله تحريف مدين، وهو الاسم الذي أطلقه مؤرخو العرب على شمال الحجاز وجنوبي فلسطين، وهي البلاد التي عرفت عند مؤرخي اليونان باسم «أرابيا بترا» - أي العربية الصخرية.
هذا، وقد عرفت في التوراة باسم حوريب - أي الخراب - كما عرفت باسم سيناء، قال بعض علماء التوراة: إن اسم حوريب أطلق على البلاد جملة، واسم سيناء على أشهر جبل فيها، ثم نسي اسم حوريب وسائر الأسماء القديمة، ولم يبق إلى يومنا هذا إلا اسم سيناء.
ولقد كانت سيناء في أكثر العصور التاريخية ملحقة بمصر، مع أن سكانها كانوا منذ بدء التاريخ ولا يزالون من أصل سامي كسكان سوريا، وهي في هذا العهد محافظة من محافظات القطر المصري كما سيجيء تفصيلا. (2) البحر المتوسط
أما البحر المتوسط الذي يحد سيناء من الشمال، فطول شاطئه من بورسعيد إلى رفح نحو مائة وثلاثين ميلا، وطوله على خط مستقيم نحو مائة ميل، وهو شاطئ رملي معرض للرياح الشمالية الغربية التي تشتد في غالب الأحيان، حتى يستحيل على السفن الاقتراب منه؛ لشدة هياج الأمواج، وليس في هذا الشاطئ ما يصلح لأن يكون ميناء للسفن إلا خليجا صخريا صغيرا بين مدينة العريش والشيخ زويد، يدعى الجرف الحصين عند بئر المصيدة، فإنه إذا اعتني به صلح لأن يكون ميناء للسفن الصغيرة.
شكل 1-1: الموسيو ده لسبس فاتح ترعة السويس.
هذا ويدخل من البحر المتوسط في بر سيناء بين العريش والطينة بحيرة عظيمة، تعرف «ببحيرة بردويل» سيأتي ذكرها. (3) ترعة السويس
وأما ترعة السويس التي تحد سيناء الشمالية من الغرب، فهي الترعة التي تصل البحر الأحمر رأسا بالبحر المتوسط، تمتد من مدينة السويس، فتخترق البحيرة المرة، فبحيرة التمساح، فبحيرة البلاح، ثم تحاذي بحيرة المنزلة من الشرق إلى أن تصل البحر المتوسط عند بورسعيد، وطول هذه الترعة 160 كيلومترا، وعرضها مائة متر، وعمقها تسعة أمتار وخمسون سنتيمترا، وأكبر البواخر التي يسمح لها بالملاحة فيها الآن لا تتطلب من العمق أكثر من ثمانية أمتار و53 سنتيمترا، ولكنهم آخذون في توسيعها وتعميقها حتى تصلح لمسير أكبر البواخر.
وللترعة ثلاثة جسور - كباري - متحركة، يعبر بها إلى جزيرة سيناء، أحدها شمالي السويس، والثاني عند الإسماعيلية، والثالث عند القنطرة في طريق العريش.
ولقد كان وصل البحر الأحمر بالبحر المتوسط أمنية كل ملك عظيم قام على مصر منذ أيام الفراعنة، وكان أول من حقق هذه الأمنية رعمسيس الثاني سنة 1330ق.م، فإنه وسط النيل، ومد ترعة من فرع النيل البليوسي عند تل بسطة إلى السويس، طولها نحو 200 كيلومتر، وعرضها من مائة إلى مئتي قدم، ثم ردمت، فجددها داريوس ملك الفرس، ثم ردمت، وجددها البطالسة، ولم افتتح العرب المسلمون مصر على يد عمرو بن العاص كانت مردومة، فاستأذن ابن العاص الخليفة عمر بن الخطاب وجدد حفرها، فجعل مبدأها مصر العتيقة وأتمها بسنة، وبقيت إلى زمن أبي جعفر المنصور ثاني الخلفاء العباسيين، فوصل إليه الخبر بأن خرج عليه محمد بن عبد الله من سلالة علي بن أبي طالب بالمدينة المنورة، فكتب إلى عامله على مصر يأمره بسد هذه الترعة، حتى لا تحمل المئونة من مصر إلى المدينة، فسدها وما زالت كذلك إلى اليوم.
Página desconocida