حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى قال: أرسى مركب من المغرب إلى عدن في الليل فنزل الناخوذة من المركب فدار عدن فإذا هو بدار عالية وبه شمع يقد وعود يبخر فدق الباب فنزل الخادم ففتح له وقال له: هل لك من حاجة؟ قال التاجر: نعم. فأستأذن الخادم له فقال له صاحب الدار يصعد فصعد فسلم كل على صاحبه من غير معرفة وجرى الحديث فقال الناخوذة: إني قدمت الليلة من المغرب وأريد من إنعام المولى أن أخفي عنده بعض التحف. قال: ولم؟ قال: خوفا من الداعي. وقال له: أقبل ولا تخف من الظالمين انقل جميع ما معك إلى الدار الفلانية! فنزل التاجر فصارت البحارون ينقلون المتعاع من المركب إلى الصناديق إلى الدار إلى أن يخلوا ثلثي ما في المركب. فلما أصبح الناخوذة وجد صاحبه البارحة الداعي بعينه وقال في نفسه: خفت من المطر وقعت تحت الميزاب! وتشوش خاطره وأسود ناظره. فانقذ الداعي إليه وقال له: أنا صاحبك البارحة وأنا الداعي مالك عدن اليوم طيب قلبك واشرح صدرك! عشور مركبك هبة مني إليك مع الدار التي نزلت فيها وهذه ألف دينار تنفقها ما دمت في بلادنا وحرام عليّ اخذ شيء منك لا على وجه الهبة ولا على وجه البيع والشراء. فقال له الناخوذة: وعلى ما هذا كله؟ قال: لدخولك علينا البارحة منزلنا في نصف الليل. وأمر أن يمد سور من الحصن الأخضر إلى جبل حقات فادير سور ضعيف وأرتدم بعضه على بعض وهتدم لدوام الموج عليه فلما خرب ادير عليه سور ثاني من القصب شبك. وبقي على حاله إلى أن بناه أبو عثمان عمر بن عثمان بن علي الزنجبيلي التكريتي دائرا على جبل المنظر إلى آخر جبل العر وركب عليه باب حقات، وأدار سورا ثانيا على الجبل الأخضر وحده من الحصن الأخضر إلى التعكر على رؤوس الجبال، وأدار سورا على الساحل من الصناعة إلى جبل حقات. وركب عليه ستة أبواب: باب الصناعة، وباب حومة، وباب السكة، وهما بابان يخرج منهما السيل إذا نزل الغيث بعدن، وباب الفرضة ومنه تدخل البضائع وتخرج، وباب مشرف لا يزال مفتوحا للدخل والخرج، وباب حيق لا يزال مغلقا، وباب البر قد تقدم ذكره. وبنى سورها بالحجر والجص وبنى الفرضة وجعل لها بابين.
فصل
قال أبن المجاور: وخروج الإنسان من البحر كخروجه من القبر والفرضة كالمحشر فيه المناقشة والمحاسبة والوزن والعدد، فان كان رابحا طاب قلبه وإنّ كان خاسرا اغتم فان سافر في البر فهو من أهل ذات اليمن وإنّ رجع في البحر فهو من أهل ذات الشمال. فإذا كان هذا حال المخلوق في عالم الكون والفساد مع مخلوق كذا فكيف حال المخلوق بين يدي الخالق غدا في هول العرض الأكبر اللهم لا تناقشنا يا كريم! وبنى أبن الزنجبيلي قيصارية العتيقة والأسواق والدكاكين ودور الحجر ورجعت عدن في زمانه. فلما دخل سيف الإسلام إلى عدن أوقف أبن الزنجبيلي جميع الأملاك على مكة سنة خمس وسبعين وخمسمائه. وبنى الملك المعز إسماعيل بن طغتكين بن أيوب بنيا جميعها دكاكين بالباب والقفل للعطارين قيصارية جديدة، ثم بناها المعتمد رضي الدين محمد بن علي التكريتي على اسم الملك المسعود يوسف بن محمد بن أبي بكر. وكثر الخلق بها فبنوا الدور والأملاك وتوطن بها جماعة عرب من كل فج عميق. وبنا المعتمد محمد بن علي حمام حسين وحفرت الناس بها الآبار وبنوا بها المساجد وأقاموا المنابر ورجعت طيبة. والأصح إنما عمرت إلا بعد خراب فرضة أبين وهرم. وانتقلوا التجار من هاتين المدينتين وسكنوا قلهات ومقدشوه فعمرت الثلاث المدن حينئذ والله اعلم.
صفة عدن وذكرها
بناء البلد في وادي البحر مستدير حوله هواء كرب ولكنه يقطع خل الخمر في مدة عشرة أيام وماؤها من الآبار وشيء يجلب من مسيرة فرسخين والله اعلم.
ذكر الآبار العذبة
داخل عدن بئر حلقم عود السلطاني، وبئر علي بن أبي البركات أبن الكاتب قديمة، وبئر أحمد بن المسيب، وبئر أبن أبي الغارات قديمة عند باب عدن، وبئر المقدم قديمة، وثلاثة آبار لداود بن مضمون اليهودي وثلثه آبار للشيخ عمر بن الحسين، وبئر لعلي بن الحسين الأزرق، وبئر جعفر قديمة طولها أربعون ذراعا، وبئر زعفران اشتريت بمدته وأوقفت على المسلمين.
فصل
1 / 50