وحدثني الشيخ بلال بن جرير المحمدي قال: لمّا ملك حصن الخضراء بعدن وأخذت الحرة بهجة أم علي بن أبي الغارات وجدت عندها من الذخائر ما لم يقدر على مثله وعدن كلها بيدي في مدة متطاولة. قال بلال: وبين عدن وبين لحج مسيرة ليلة فأذكر إني كتبت من عدن بخبر الفتح واخذ الخضراء وسيرت بشيرا بالبشرى إلى مولانا الداعي سبا بت أبي السعود، وفي اليوم كان فيه فتح الخضراء فتح مولانا مدينة الرعارع فألتقى رسولي ورسوله بالبشرى وذلك من أعجب التاريخ سنة خمس وأربعين وخمس مائة. واشتغلت الجاوش بالأكل والشرب ودار السكر بينهم فصار مقدمهم ينادي أصحابه: كفوا عما انتم عليه مشغولون! فلم يسمع منه إلا من له لب وفهم وبقي الباقون غادون على حالهم إلى أن نزل صاحب الحصن التعكر مع جمع من الخلائق فركبوا السيف على الجاشو فلم يسلم منهم إلا كل طويل لعمر فكانت جماجم رءوسهم ملء تلك الأرض. فكان إذا أشكل على رجل من أهل عدن موضعا قال: أبن من الجماجم؟ فعرف الموضع بالجماجم والمعنى بالجماجم رؤوس الجاشو. فلما انتصرت لبنو زريع هذا النصر نزلوا من الحصن وسكنوا الوادي وبنوا الدور الملاح وهم أول من بنى الدور الحجر والجص بعدن، وكان يجلب الحجر إلى عدن من أعمال ايين لأجل العمارة. ولم يظهر لأهل عدن المقلع إلا أبو الحسن علي بن الضحاك الكوفي فلما أنّ سكن عدن اشترى عبيدا زنوجا يقطعون الحجر من جبال عدن وكانت الجوار تنقله على أعناقها. فمن حينئذ قطعوا الحجر بها وصارت مقالع يعرف كل مقلع بصاحبه: مقلع علي الأنكي ويوسف الأردبلي ومقلع رشى النجار ومقلع إسماعيل السلامي ومقلع حميد أبن حماسة ومقلع عبد الواحد بن ميمون ومقلع أبي الحسن الدوري وتملكوها إلى أن صارت لهم ملكا ومستغلات.
فصل
ولمّا قبض شمس الدولة نوران شاه بن أيوب بن شاذي علي عبد النبي بن علي بن المهدي وهو آخر من تولى من العرب أرض الخصيب وجاء به مسلسلا إلى عدن وقبض على ياسر بن بلال بن جرير المحمدي مولى الداعي محمد أبن أبي السعود بن زريع وهو آخر من تولى من الدعاة اقعد كل واحد منهم في خيمة وحده. فالتفت عبد النبي فوجد ياسر بن بلال يسارقه بالنظر فقال: يا عبد السوء ما تنظر إلى أسد مقيد بقيد من حديد ومسلسل بسلاسل حديد وكان أبناء زريع يودون الخراج إلى الخلفاء الفاطميين وهو لأجل المذهب لأن القوم كانوا إسماعيلية وكل من تولى بأرض اليمن من بني زريع يسمى الداعي أي يدعو الخلق إلى المذهب. والملاحدة الذين هم ملوك كرد كوء والموت وهما حصينين على جبل علي مدور لهم أي للملاحدة يأخذون الخراج من جبل السماق الذي لهم بأعمال الشام ومن القرامطة الذين بالسند ومن التورسنا الذين هم بأعمال نجران وإنّ كانوا كفارا فهم على عقيدة واحدة. وبعدهم ملكوا الغز البلاد وبنوا المنظر على جبل خقات وبعد رجوع شمس الدولة توران شاه بن أيوب من اليمن إلى مصر، وسلم عدن إلى فخر الدين أبو عثمان عمر بن عثمان بن علي الزنجبيلي التكريتي.
ذكر بناء سور عدن
1 / 49