وربما يدخل هذا الحديث في باب الجناس، لأن الكلام إذا لم يكن مشتقا من أصل واحد، لكن بعض الكلمة منه أو أكثر مجانسة لبعض حروف صاحبتها أو أكثرها، فهذا سماه بعضهم جناسا، حكاه القاضي عياض بنحوه وحكى عن أبي الفرج قدامة بن جعفر أنه سمى هذا النوع ((مضارعة)) وهو التجنيس في أكثر الكلمة أو بعضها. قال القاضي عياض: وإنما حسن -يعني التجنيس- لوزن الكلمتين، واتفاق أواخرها وقرب مخارج أوائلها أو أوساطها. انتهى. و((حبيبتان، وخفيفتان، وثقيلتان)) في هذا الحديث ربما يدخل في هذا النوع -والله أعلم- لأن آخر كل كلمة من الكلمات الثلاث متجانس، مماثل لآخر الأخرى، موافق له.
ومنه الترتيب، وهو أن يقدم من الكلام ما يحسن تقديمه، ويؤخر ما يحسن تأخيره. قال سيبويه: إنهم يقدمون في كلامهم ما هم به أهم وببيانه أعنى وإن كانا جميعا مهماتهم وبيانهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم : ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن)) إلى آخره. من أحسن الترتيب؛ لأن القصد من السامع المبادرة إلى العمل، فقدم صلى الله عليه وسلم [ما] ينشط السامع من أول مرة بقوله صلى الله عليه وسلم : ((حبيبتان إلى الرحمن))، لأن العابد إذا سمع بشيء يحبه الرحمن سارع إليه. ووجه نظم قوله صلى الله عليه وسلم : ((خفيفتان على اللسان)) بما قبله لأن العابد إذا سارع إلى ما يحبه الرحمن ويرضاه لم يبال بما يحصل له من المشقة والكلفة في ذلك، فأعلمه أنه لا مشقة عليه ولا كلفة في مسارعته إلى العمل بهما، فقال: ((خفيفتان على اللسان))، ثم قال بعد ذلك: ((ثقيلتان في الميزان))، لأن الخير حصل لمن ذكر بهما معجلا في قوله: ((حبيبتان إلى الرحمن)) ومؤجلا في قوله: ((ثقيلتان في الميزان))، والمؤجل مؤخر، فظهر بهذا حسن الترتيب في الحديث.
Página 134