بكى المِنْيرُ الشَرقِيُّ إذْ خَار فَوقَهُ ... على النَّاسِ ثَورٌ قد تدلَّتْ غَباغِبُه
وهذا يشبه تصحيف بعضهم قوله أيضا:
والصَّدْقُ مِنْ الكِرامِ فَبينًا ... أمِنَ الشَّرَابِ تَنوبُ أمْ مِنْ تَرْكه
صحف) فبينا (المكتوبة بألف التنوين فقال) فنبنا (يريد نبئنا من النبأ وهو الخبر مخفف الهمزة وهو جائز وهذا من سعادة هذا الرجل:
هَذَا عِتابُكَ إلا أنَّهُ مِقَةٌ ... قَدْ ضُمنَ الدُرَّ إلا أنَّهُ كَلِمُ
قال الشيخ: المقة أصلها الومقة فحذفت الواو التي فاء الفعل. فقيل مقة، ووزن علة، وهذا الحذف مطرد في هذا الباب، يقولون وزنت الشيء زنة، ووعدت الرجل عدة، فإذا جاء حرف الحلق فتحوا في بعض المواضع وكسروا، يقولون في فلان ضعه وضعة، وفي وجهه قحة وقحة.
ومن أبيات أولها:
قَدْ سَمِعنا مَا قُلْتَ في الأحلامِ ... وَأنَلْنَاكَ بَدْرَةً في المَنامِ
قال الشيخ أبو العلاء ﵀: كان بعض الناس قد وجه إلى سيف الدولة أبياتا ذكر أنه رآها في النوم، وفيها شكية للفقر، فقال أبو الطيب هذه الأبيات والبدرة اصطلح الناس على أنها عشرة آلاف درهم، وقيل سميت بدرة لأنها مقدار ما يملأ البدرة، وهو جلد الفطيم، وجمعها بدر على غير قياس.
كُلُّ آخائِهِ كِرَامُ نَبِي ... الدُّنْيا ولكِنَّهُ كَرِيمُ الكِرَامِ
قال الشيخ ﵀: آخاه جمع أخ. كما يقال أب وآباء، وقلما يجمعونه هذا الجمع، لأنهم استغنوا بقولهم اخوة وإخوان، وأكثر ما يقولون في واحد الآخاء أخ، وقد حكوا أخا في وزن عصا، وينشدون بيتا قد كثر على ألسن الناس وهو:
إنَّ أخَاها وأخَا أخَاهَا ... قَدْ بَلَغَا في المَجدِ غايتَاها
وحكى الفراء) أخو (بسكون الخاء وأنشد:
لأَخْوَيْنِ كانا خيرَ أخْوَيْنِ شيمةً ... وأسرَعَه في حَاجةٍ أُريدُها
وذكر ابن دريد أن أبن الكلبي حكى أخ بالتشديد، وجاء في شعر زهير بيت وهو قوله:
وكَفّي عن أذى الجيرانِ نَفسي ... وحِفظي الودَّ للأخَّ المُدانِي
وقد روي هذا البيت لكعب بن زهير، فإن خففت الخاء فقد زعم أهل العلم بالشعر أنه زحاف لم يأت مثله عن العرب، وإن شددت الخاء على حكاية ابن الكلبي، ففيه زحاف ليس بمنكر، وقل ما يخلو بيت في الوزن في هذا الوزن منه.
ومن التي أولها: عَلى قَدْرِ أهل العَزمِ تأتي العَزائِمُ
يُفدّي أتمُّ الطّيرِ عُمْرًا سلاحَهُ ... نُسُورُ المَلا أحْدَاثُها والقَشاعِمُ
قال الشيخ ﵀: يعني بأتم الطير عمرا النسور، وبعض الناس يدعي أنه يعمر خمسمائة سنة، وبعضهم يقول عمره ثمانون سنة، وهو أشبه ونسور الملا بدل من أتم الطير، والملا المتسع من الأرض واستعمل الأحداث للنسور استعارة من الإنس، والقشاعم المسان وأكثر ما يستعمل في النسور، وأدعى للنسور أنها تفدي سلاحه، لأنها كفتها أمر المطاعم، لكثرة قتل الممدوح الأعداء فتقع عليهم النسور، والنسر لا يقتض وإنما يسقط على الجيف وقد بين الغرض في البيت الثاني بقوله:
ومَا ضَرَّها خَلْقٌ بغيرِ مخَالبٍ ... وقد خُلِقتْ أسْيافُهُ والقَوَائِمُ
وقال ابن فورجة: قوله) وما ضرها خلق بغير مخالب (مما يسأل عنه؛ إذا كانت النسور لا تخلو من المخالب، فعن ذاك جوابان، أحدهما: أنه يعني الفرخ الحدث الذي لا يمكنه الانتفاع بمخالبه لضعفه، والمسن الذي عجز عن طلب القوت، ألا تراهم يقولون في المثل) أبر من النسر (ويفسرون ذلك بأن النسر إذا أسن آوى إلى الوكر، وجعل فرخه يزقه كما يزقه كما يزقه في حداثته ويوضحه قوله) أحداثها والقشاعم (يريد فرخها الذي لم ينهض، ومنها الذي عجز عن النهوض.
والجواب الثاني: أنه يريد ما ضرها لو خلقت بغير مخالب كما تقول ما ضر النهار ظلمته مع حضورك، وليس النهار بمظلم، ولكنك تريد لو خلق مظلما.
وكانَ بها مثلَ الجنُونِ فأصْبَحَتْ ... ومِنْ جُثَُِ القَتْلى عليها تَمائمُ
قال الشيخ: ادعى أن الحدث كان بها مثل الجنون، ويجوز أن يكون اراد أهلها والجثث جمع جثة، وأصل ذلك ما رؤي من جسم الانسان، وقيل اجتث الشيء إذا أخذ كله أي استؤصلت جثته، والجث شيء مرتفع من الأرض وليس بالعظيم قال الشاعر:
1 / 83