فأوْفَى على جُث وللَيْلِ طُرَّةٌ ... على الأرض لم يكَفِفْ جوانبها الفَجْرُ
والتمائم تعلن على من يخاف عليه عين، أو يظن به سفعة من الجنون.
تُفِيتُ اللَّيالي كُلَّ شَيْ أخَذْنَهُ ... وهُنَّ لما يأخُذْنَ مِنكَ غَوَارِمُ
قال الشيخ ﵀: يقول الليالي إذا أخذن شيئا أفاتته، ولم يرجع إلى صاحبه، وهي إذا أخذت منك شيئا غرمته، وبعض الناس يروي) أخذته (وهو أشد مبالغة من الرواية الأولى، لأنه جعل الممدوح إذا أخذ منها شيئا لم يقدر على استرجاعه منه، وإذا أخذت منه شيئا غرمته.
إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلًا مُضارِعا ... مَضَى قَبْلَ أنْ تُلْقى عَلَيه الجوازِمُ
قال الشيخ ﵀: الجوازم الحروف التي تجزم، وأصل الجزم القطع، وسمى النحويون هذا الفن جزما، لأنه يقطع الإعراب من الأسم، ومنه قولهم حلف علي يمين جزم أي قطعها، ومعنى البيت أن الممدوح إذا كان ما يقول فعلا مضارعا، وهو يصلح للأمرين للحال والاستقبال، أمضاها هذا المذكور من قبل أن تقع عليه الجوازم، كأنه إذا جرى في نفسه أن يقتل عدوا قتله قبل أن يقول قائل لم يقتله.
تَجَمَّعَ فيهِ كُلُّ لِسْنٍ وأُمَّةٍ ... فما تُفْهِمُ الحُدَّاثَ إلا التَّراجِمُ
قال ابن جني: اللسن اللسان، وقرئ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسن قومه (والحداث جمع حادث بمعنى متحدث، قال علي بن سليمان في قول عقيبة الأسدي يهجو بلال بن أبي بردة:
وما أنَال حُداثِ أمَّكِ بالضحى ... ولا بالمُزَكّيها بظَهْرِ مغيبِ
له معنى ظريف وذلك أن أمه كانت مراقة، فيقول: لست ممن يقف عليها ليشتري منها، ولا بالمزكيا بظهر الغيب، أي لست ممن يقول لها: لحمك جيد وطبيخك طيب.
وقال الشيخ: يقال لبني فلان لسن أي لغة، في هذا الخميس أصناف العالم فكل منهم يحتاج إلى ترجمان يفسر له ما يسمع، والحداث الذين يتحدثون قال الشاعر،
أتيتْ معَ الحُداثِ ليلىَ فلم أُبِنْ ... وأَخْلَيْتُ فَاستَعْجمْتُ عِندَ خَلائي
ولفظ الحداث يدل على أنه جمع حادث، ولم يقولوا رجل حادث من الحديث استغنوا عنه بقولهم حدث حدث وجاء حداث على تقدير حادث.
بِضرْبٍ أتى الهَاماتِ والنَّصْرُ غَائِبٌ ... وصَارَ إلى اللَّبَّاتِ والنصرُ قادِمُ
قال ابن جني: يقول: إذا ضربت عدوا، فحصل سيفك في رأسه، لم يعتد ذلك نصرا ولا ظفرا، وإذا فلق سيفك رأسه، وصار إلى لبته، فحينئذ يكون ذلك عندك نصرا ولا يرضيك ما دونه.
وقال الأحسائي: يعني أن الروم كانوا مستظهرين في أول يومهم، حتى حمل عليهم سيف الدولة في غلمانه وخواص فرسانه فهزمهم، يقول: إن الضرب أتى الهامات، وعليها البيض، فلما قطع البيض وصار إلى اللبات انهزموا، فكأن النصر كان غائبا فقدم.
حقَرْتُ الرُّدينَّيات حتى طَرحْتَها ... وحتى كأنَّ السَّيفَ للرُّمْحِ شَاتِمُ
قال الشيخ: الناس في الشام والعراق يروون هذا البيت شاتم، وله وجه أي كأن السيف لم يرض فعل الرمح فهو يشتمه، ولو رويت للسيف شائم لكان للبيت معنى ألطف في نقد الشعر لأنهم يقولون شام السيف إذا أغمده فكأنه يقول لما جاء السيف كان كأنه قد شام الرمح، وليس من عادة الرمح أن يشام ولكنه لما عطل السيف الرمح كأنه شامه.
تَظُنُّ فِراخُ الفُتْحِ أنَّكَ زُرْتها ... بأُمَّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصَّلادِمُ
قال الشيخ: فراخ الفتخ العقبان، أي أنك زرتها بأماتها، أي بالعقبان، والأمات تستعمل لغير الإنسان، والأمهات بالهاء تستعمل في بني آدم، وقد جاءت الأمهات في البهائم قال الشاعر:
قَوَالُ مَعْروف مفَعضالُه ... عَقَارُ مَثْنى أمَّهات الربَاع
ووزن أمات فلات، ووزن أمهات فعلهات، وقد أظهروا الهاء في الواحد وأنشدوا رجزا نسبوه إلى قصي بن كلاب جد النبي ﷺ وهو:
إني لدَى الحَربِ رَخِيُّ اللَببِ ... مُعتَزمُ الصَوْلةِ عَالي النَسَبِ
عندَ تَنادِيهم بهَالِ وهَب ... أُمَّهتي خِنْدِفُ واليَأسُ أبي
1 / 84