قال ابني جني: يصف استواء وقع قوائمه، وصحة جريه، كقول جرير:
مِنْ كُلَّ مُشْتَرفٍ وإنْ بَعُدَ المدَى ... ضرم الرّقاقِ مُناقِل الأجْرالِ
أي يتقي في جريه وطء الصخور، وقوله) وفعله ما تريد الكف والقدم (أي جريه يغنيك عن تحريك السوط والقدم.
وقال الشيخ:) وفعله (يعني الجواد، ما تريد كف راكبه وقدمه، أي هو جواد مدرب فإذا قصر عناه قصر في الجري، وإذا أرخي له في العنان بذل ما يريده الراكب من الجري، وكذلك إذا حرك قدمه ليمتري خصره فإنه يسمح بما يرضيه، ونحو من هذا المعنى قول ساعدة بن جؤية الهذلي:
يُوشُونَهنَّ إذَا مَا آنسُوا فَزَعًا ... تَخْتَ السَّنَوَّرِ بالأقدَامِ والجِذَمِ
يعني بالجذم السياط، ويوشنهن يستخرجون ما عندهن في الجري.
وقال ابن فورجة: وإذا توقى وطء الصخور، على ما حكاه أبو الفتح لحذقه، فأي شبه بينه وبين كونه صحيح الجري غير متفاوته، متلائم وضع اليدين والرجلين، وما أراه إلا أعجب ببيت حرير ثم سمع هذا البيت فأعجبه، فجعله مثله من حيث الاستحسان لا من حيث الاشتباه، وهذا المصراع ببيت رؤبة أشبه وهو قوله: يهَوْين شَتَّى ويقعنَ وَفْقَا وقوله) وفعله ما تريد الكف والقدم (من قول امرئ القيس:
فللزّجرِ أَلهوبٌ وللسَاقِ دِرَّةٌ ... وللسَّوْطِ أخرى غَربُها يَتَدَفَقُ
ويحتمل معنى آخر، وهو أن يريد أنه مؤدب، يتصرف من غير تحريك العنان، ولا القدم وإلى هذا ذهب قوله:
وأدَّبها طَولُ القِتالِ فَطَرْفُهُ ... يُشِيرُ إليها مِنْ بَعيدٍ فَتَفْهَمُ
ومُرْهَفٍ سِرتُ بين الموجَتينِ به ... حتى ضرَبتُ وَموجُ المْوتِ يلتَطِمُ
قال الشيخ: المرهف السيف الرقيق، وجعل نفسه سائرا بين الموجتين أي بين فريقين يخاف منهما الموت، واستعار للموت موجا وإنما هو للبحر وما جرى مجراه من المياه الكثيرة كالفرات وغيره من الأنهار قال أبو ذؤيب:
فَجَاءَ بها ما شِئْتَ من لَطَمِيَّةٍ ... يَدومُ الفُراتُ فَوْقَها ويمُوجُ
وخطى أبو ذويب في هذا البيت، وقيل الدرة لا تكون في الفرات، وقيل أراد باللطمية الدرة التي تحمل في اللطيمة، وهي العير التي تحمل المسك.
وقال قوم: أبو ذؤيب في جبال هذيل ولم يكن ليخفى عليه أن الدر لا يكون في الفرات، وقيل أراد أن حول الصدفة التي فيها الدرة ماء كثيرا كأنه الفرات إذا هاج. وقال قوم الصدفة إذا شقت عن الدرة خرج ماء فذلك الذي أراد الهذلي. وقيل إنما أراد ماء الدرة نفسها في حسنها، وشبه ماء الدرة بماء الفرات.
لَيتَ الغَمامَ الذي عِندي صَوَاعِقهُ ... يُزيلُهنَّ إلى من عِنْدَهُ الدّيمُ
قال الشيخ: يعني سيف الدولة، وبصواعقه ما يلحقه منه من الأذية شبهها بالصواعق، الصاعقة هي الراعدة التي يسمع لها صوت عظيم، وربما كان معها برق يحرق يقال صاعقة وصاعقة قال الراجز:
يحَكُونَ بالهْندِيةِ اللوامِع ... تَبَوُّج لبَرْقِ عن الصَوَاقِعِ
والديم جمع ديمة وهي مطر ليس بالشديد يدوم أياما، وأقل ما يكون يوم وليلة وهو من ذوات الواو لأنه من دام يدوم وأنسوا بالياء فقالوا ديم المطر، ولم يردوها إلى الواو قال الراجز:
هو الجَوادُ ابنُ الجَوادِ ابنُ سَبَلْ ... إن دَيمّوا جادَ جَادُوا وَبَلْ
وقالوا كثيب مديم إذا سقته الديم.
بأيَ لفظٍ تَقُولُ الشَّعْرَ زِعْنِفةٌ ... تجَوزُ عِندك لا غُرْبٌ ولا عَجَمْ
قال ابن جني: الزعانف سقط الناس وسفلتهم، وقوله) لا عرب ولا عجم (أي ليست في قصاحة العرب، ولا تسليم العجم، الفصاحة للعرب، فليسوا شيئا.
وقال الشيخ: الزعنفة طرف الشيء والقطعة منه التي لا حاجة به إليها وزعانف أطرافه، وكذلك ما تدلى من أطراف الثوب، ويقال لما قشر عن السمك زعانف، والزعانف الذين يكونون في أطرافهم، وليسوا من صميمهم فإذا وقعت الحرب انضموا إلى معظم الناس قال الشاعر:
فَأّدنِ رباطَ الجَوْنِ مِنّي فإنَّهُ ... دنَا الشرُّ واحتلّ الجميعُ الزعانِف
وقال ابن فورجة: سمعت من ينشد) يخور عندك (وإن صحف فالمعنى جيد لأنه، شبه كلامهم لجهلهم بالخوار، ألا ترى إلى البحتري كيف قال يعني المستعين ﵀:
1 / 82