ولَّما رأى بَرقًا يُضيءُ ومَيضُهُ ... مَنازِلَ من أسماءَ كانت تكُونها
أي تكون فيها.
ومن التي أولها: إذا كانَ مَدْحٌ فالنَّسِيبُ المُقَدَّمُ
فَجازَ لَهُ حتى على الشَّمْسِ حُكمُه ... وَبانَ لَهُ حتى عَلى البَدْرِ مَيْسَمُ
قال ابن جني: الميسم الحسن أي فاق البدر في الحسن.
وقال الشيخ أبو العلاء: على في البيت حرف خفض، ومن جعله فعلا ماضيا فقد خالف غرض الشاعر، لأن المعنى فجاز له حكمه حتى حكم على الشمس وبان له ميسم حتى على البدر، أي أنه قد وسم البدر، لأجل ما يرى فيه من التغير فكأنه أثر وسم.
وقال الأحسائي: حكمه الذي جاز على الشمس أنه سار بجيشه ستر نورها، ولم يصب حرها أصحابه، وإذا سار ليلا أضاء الأرض وجهه ولمعان سلاحه، فلم يضر مغيبها في الليل، والميسم الحسن من قولهم وجه وسيم وله وسامة، وقال وسامة، وقال بعضهم: إن الميسم من الوسم وهو ما يرى في القمر من الكلفة فكأنه وسم بذلك.
ضَلالًا لَهذِي الرّيحِ ماذا تُرِيدُهُ ... وَهَدْيًا لهذا السَّيْل ماذا يُؤَمَّمُ
قال ابن جني: كانت الريح عارضتهم في الطريق فقال للريح ضلالا كما قال في موضع آخر: لَيْتَ الرّياحَ صُنَّعُ ما تَصْنَعُ وقال للمطر هديا لأنه شبهه بسيف الدولة في سحه ألا تراه يقول بعده:
تَلاكَ وَبَعْضُ الغَيْثِ يَتْبَعُ بعضَه ... مِنَ الشَّامِ يَتْلو الحَادِقَ المُتَعَلَّمُ
أي أنت حاذق بالصب والسكب وهو متعلم فجاء تاليا لك.
وقال الشيخ أبو العلاء: نصب) ضلالًا (على المصدر، كأنه قال أضلت الريح ضلالا، أي شيء تريده؟ وبنى هذا المعنى على قول الناس هو يباري الريح جودا، إذا وصفوه بالكرم، أي أنها إن هبت تباريك فقد ضلت، كأنه دعا عليها بالضلال، وقال هديا لهذا السيل، كأنه دعا له بالاهتداء أي هداه الله هديا ماذا يؤمم أي ماذا يقصد.
كأجْناسِها راياتُها وشِعارُها ... ومَا لَبسَتْهُ والسلاحُ المُشَمَّمُ
قال ابن جني: يقول جميع ما في عسكره عربي خيله وسلاحه وشعاره وملبسه قال الشيخ: يريد أن في الجيش رايات مختلفات الشكول، وكذلك الشعار الذي هو مختلف، لأنه ادعى أن فيه قبائل بعضهم يقول يال عقيل، ومنهم من يقول يال تميم، وغيرها من القبائل وهذا يشابه قوله: تَناكَرُ تَحْتَهُ لَوْلا الشَّعارُ والمشمم يجوز أن يكون من الشم ويجوز أن يكون من شممت الشيء إذا أصلحته.
عَلى كُلَّ طَاوٍ تحتَ طَاوٍ كأنَّهُ ... مِنَ الدَّمِ يُسقى أوْ مِنَ اللَّحمِ يُطعمُ
قال الشيخ: على كل طاو من قولهم طوى الرجل إذا لم يأكل شيئا) على كل طاو (أي على كل فرس لم ترع، ولا علق عليق، يقال هو طاو بين الطوى وحكاه سيبويه وأجراه مجرى السمن والشبع والمراد أن هذه الخيل وفرسانها كأنها تستقي من دماء الأعداء، وتطعم من لحومهم، وذهب قوم إلى أن المراد أنها كالتي تأكل من لحوم أنفسها، وتشرب من دمائها، ولا يجعل هذا القول غرض الشاعر لأن صفتها بأنها كالآكلة لحوم الأعداء والشاربة من دمائهم، أبلغ في المديح.
أما القوم الآخر فيحسن إذا كان في صفة إبل مسافرة لا يقصد بها الحرب كما قال الراجز:
وَبَلدَةٍ باتتْ على خزومِها ... شاكية الأكوارِ مِن لزُومِها
كأنها تَلاتعُ في لحومِها ومن التي أولها: وَاحَرَّ قلباهُ مِمَّنْ قَلبُهُ شَبِمُ
فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمْمَتَه ظَفرٌ ... في طَيّهِ أَسَفٌ في طَيَّهِ نِعَمُ
قال الشيخ:) في طيه أسف (الهاء في طيه عائدة إلى الظفر، أي أن فوته إياك إنما وقع به لخوفه منك، لأنه هاب لقاك فهرب، وإنما يعني أن سيف الدولة أسف لذلك وقوله) في طيه نعم (الهاء في الطي الثاني ترجع إلى الأسف وقد شرح ذلك في البيت الذي يليه بقوله:
قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوْفِ واصْطَنَعتْ ... لَكَ المَهابَةُ مالاَ تَصْنَعُ البُهَمُ
وقال الأحسائي: العدو إذا فاتك فذلك الفوت ظفر له، وفي طي ذلك الظفر أسف على من قتل من أصحابه، وما نهب من أمواله، وفي طي ذلك الأسف نعم لك ولأوليائك. ويشبه قوله: مَصَائِبُ قَوْمٍ عِنْدَ قَوْمٍ فَوَائدُ
رِجلاهُ في الرْكضِ رِجلٌ واليدان يَدٌ ... وفِعْلَهُ ما تريد الكَفُّ والقَدَمُ
1 / 81