قال الأحسائي: يقول قد ثبت عندي أن من والاك لا يزال بطاعتك مسرورا، ومن عاداك لا ينفك خائفا مغموما، فأستدل بما أراه من مرح من اختار به وسروره على طاعتك، وأنه قريب العهد برضاك عنه وتقبيله يدك، لأن من وصل إليها فقد فاز بالحظ الجسيم، وأستدل على عدوك بانقباضه وغمه.
وَوَعدُك فِعلٌ قَبلَ وَعدٍ لأنَّهُ ... نَظيرُ فَعالِ الصَّادِقِ القَولِ وَعدُهُ
قال ابن فورجة: قال أبو الفتح: يقول الصادق إذا وعد وفى، فكان وعده بصحة وقوع موعوده وفعله، هذا كما قال إلا أنا نزيد اللفظ بيانا، يقول كل من وافيا بمواعيده فوعده نظير فعله، أي كان إذا وعد شيئا فقد فعله لركون النفس إليه وشدة الاعتماد عليه، وتقيض هذا قوله:
أصبَحْتُ أروَحَ مُثرٍ خازنًا وَبَدًا ... أنا الغَنِيُّ وأموالي المَوَاعِيدُ
وهذا هزء ويقول أنا مثر لا تعب على خازني ولا على يدي، إذ كان أبرأني من المواعيد وكذلك قوله:
جُودُ الرّجال مِن الأيدي وَجُودُهُمُ ... مِنَ اللّسانِ فَلا كانُوا وَلا الجُودُ
ومن التي أولها: حَسَمَ الصُّلحُ ما اشتَهَتهُ الأعادِي
وَكلامُ الوُشاةِ لَيسَ عَلَى ... الأحْباب سُلطانُهُ عَلى الأضدَادِ
قال الشيخ أبو العلاء: هذا البيت يحتمل وجهين: أقواهما: أن يكون سلطانه مرفوعا بليس، وقوله على متعلق بسلطانه أي ليس سلطان كلام الوشاة الذي يتسلط على الأضداد واقعا على الأحباب، والآخر: أن يكون الكلام قد تم عند قوله) على الأحباب (ثم ابتدأ مخبرا فقال: سلطانه. أي سلطان الكلام على الأضداد، كما تقول: ليس شرك على صديقك إنما هو على عدوك.
ومن التي أولها:
عِيدُ بأيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يا عِيدُ ... بِمَا مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تَجدِيدُ
قال ابن جني: كأنه قال هذا عيد، ثم انتقل يخاطب العيد، فقال بأية حال عدت يا أيها العيد أي: هل عدت بما عهد من الحال أم تجدد فيك أمر.
قال أبو العلاء: عيد مرفوع، لأنه خبر ابتداء محذوف، كأنه جاء فأنكر مجيئه، فقال له أنت عيد كما تقول للرجل إذا لقيته: فلان أي أنت فلان. ويدل على أنه أنكر لقاه قوله) بأية حال عدت (. وقوله) بما مضى (يجب أن تكون الباء متعلقة بقوله عدت، ودخلت) أم (هاهنا لأن في أول الكلام استفهاما، ويحتمل أن يكون أراد ألف الاستفهام بقوله بما مضى، كأنه قال أبما مضى عدت. أم لأمر لا نعلمه جددت. وقد رويت اللام مكان الباء في قوله بما مضى. ومنهم من يروي لأية حال باللام أيضا، واللام فيما أراه أحسن من الباء.
لَولا العُلى لم تُجبْ بي ما أجُوبُ بِها ... وَجناءُ حَرفٌ ولا جَرداءُ قَيدُودُ
قال ابن جني: الوجناء العظيمة الوجنات من النوق، ويقال بل هي الغليظة الخلق أخذت من الوجين وهو الغليظ من الأرض، قال الشاعر:
أنختُ بها الوجَناءَ مِن غَير سَامةٍ ... لثنتَين بينَ أثنين جَاءٍ وذَاهِب
لثنتين يعني ركعتي العصر، بين أثنين يريد الليل والنهار، وأراد سامة فحذف الألف. ومثله للكميت: لا يَتَداوىَ بنزلَةٍ منهم المُدنَفُ من هَيضَة الكَرى الوَصبُ إلاَّ بخَمسٍ هي المُنيِخَةُ للأركُبِ في حيثُ تُنْكَأُ الحَلبُ يعني بالخمس الصلوات، وبالحلب مواضع السجود، أي لولا ما أطلبه من العلا لم تقطع بي الفلاة والمهالك ناقة هذه حالها، ولا فرس هذه صفتها.
قال أبو العلاء: الأشبه أن يكون الحلب التي في ظهور العيس، لأن الحلب في الحياة لا يستعمل.
ما يُقبِضُ المَوتُ نَفسًا مُنْ نفوسِهِم ... إلاَّ وفي يَدِهِ من نَتنها عُودُ
1 / 32