وهذه من مهمات خصال الإمامة فهو منها في أعلى المراتب، وأسنى الذوائب، من أنصف نفسه كان لذلك بصيرا، وإلا فليسأل به خبيرا، مع جود تهطل ربابه، وندى تمطر سحابه، لا يظن بالمال، ولا يتغير بتغير الأحوال، ولا يطول بالإدخار، ولا يعمل عمل الاحتكار...إلى قوله: وله من شريف القصد وحسن النية في إحياء الدين وإخماد نار المبطلين، لا يهاب عدوا، ولا يزداد على ممر الأيام في الهمم الشريفة إلا علوا وسموا، قد وطن نفسه على إحدى الحسنيين، مقتديا في ذلك بمن سبق من ذرية الحسنين...إلى قوله: وقد زاد الله الخلق بصيرة في أمر هذا الإمام عليه السلام بأن جعل له من الكرامات التي خرقت العادات، فسارت بها الركبان، ونقلها القاصي والدان، وتغلغلت إلى البلدان، وبلغت إلى حد يتعذر فيه الإنحصار، فكم من أكسح عافاه الله، ومن ردي بصر شفاه الله، وألم زال ببركة دعائه، ومرض شديد ذهب بشريف ندائه، وظهور ذلك يغني عن بيانه، وضرورته تنوب عن برهانه، ظهرت للأعداء والأولياء {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يسبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم فاسقون}(1)، فكونوا رحمكم الله ممن زادته هذه الآيات إيمانا، والبركات الظاهرة إيقانا، واعلموا أن الله لم يظهرها على أمير المؤمنين المهدي لدين الله سلام الله عليه إلا لارتفاع منزلته، وعلو درجته، لولا علمه بأنه ذو فضل عظيم وشرف عميم لما جعل له هذه الكرامات الظاهرة، والآيات الباهرة، ولم يرد تبارك وتعالى بها إلا تقوية خواطر الخلق إلى اعتقاد إمامته والقيام بطاعته، والجد في معاضدته والتشمير في مؤازرته، فاعرفوا أيها المسلمون حقه الواجب، وقوموا لله تعالى في تلبية دعوته بالفرض اللازب، وحكموه في الأنفس والأموال، وامتثلوا أمر ذي العزة والجلال...إلى كلام طويل عجيب موضوع في الرسالة المشهورة.
Página 64