الفصل الرابع: في رياضاته ومجاهداته
لما عرف بعين التحقيق، وفكرة التوفيق، ولاحت له سبل الطريق، وعرف عدوه الملازم والغريم المجاشم ، وهي النفس الأمارة بالسوء، فثاغرها جهارا، وسل عليها سيف العزم ليلا ونهارا واعلانا وإسرارا، ومنعها فضلات الطعام والشراب والمنام، وقلة مخالطة الأنام(1) مدة من الزمان ، حتى خرجت من النفوس الأمارة بالسوء إلى النفوس اللوامة، فتنبهت ولامته(2) على مامضى، وتيقظت فداركها وحاسبها محاسبة الشريك الألد لشريكه، كنت أسمعه يحاسبها فأظن معه رجالا يخاصمونه حتى أشرف عليه وليس معه أحد، مدة من الزمان، حتى خرجت من النفوس اللوامة إلى النفوس المطمئنة، فتروحت واطمأنت وانشرحت مدة من الزمان، فتعلقت بالمولى ومحبته وخدمته حتى رضيت وقنعت، قال لي يوما: لو أعطيت الدنيا بجوانبها، ومفاتيح الجنة كلها لما اخترت الا وقوفي بين يدي الله ساعة أناجيه فيها. ولاتخرج النفس الأمارة إلى النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة إلا بعد الرياضة التامة والمثابرة القوية والمحاسمة(3) العظيمة، والحرب خدعة، والخير عادة، قال بعض العارفين:
يعارض بعض بعضها في المقاصد
وثالثة تهديه نحو المراشد ... لكل امرئ منا نفوس ثلاثة
فنفس تمنيه ونفس تلومه
وهي التي قال الله تعالى:{ياأيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي}[الفجر:27-30].
Página 86