Comentario sobre El Sendero de la Elocuencia
شرح نهج البلاغة
Investigador
محمد عبد الكريم النمري
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
1418 AH
Ubicación del editor
بيروت
قال : وقوله : نومهم سهود ، يعني أصحاب معاوية لا ينامون طول الليل ، بل يرتبون أمره . وإن كان وصفا لأصحابه عليه السلام بالكوفة - وهو الأقرب - فالمعنى أنهم خائفون يسهرون ويبكون لقلة موافقتهم إياه ؛ وهذا شكاية منه عليه السلام لهم ، وكحلهم دموع ، أي نفاقا ، فإنه إذا تم نفاق المرء ملك عينيه .
ولقائل أن يقول : لم يجر فيما تقدم ذكر أصحابه عليه السلام ولا أصحاب معاوية ، والكلام كله في وصف أهل الجاهلية قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم . ثم لا يخفى ما في هذا التفسير من الركاكة والفجاجة ، وهو أن يريد بقوله : نومهم سهود ، أنهم طوال الليل يرتبون أمر معاوية ، لا ينامون ، وأن يريد بذلك أن أصحابه يبكون من خوف معاوية وعساكره ، أو أنهم يبكون نفاقا ، والأمر أقرب من أن يتمحل له مثل هذا .
ونحن نقول : إنه عليه السلام لم يخرج من صفة أهل الجاهلية ، وقوله : في خير دار ، يعني مكة ، وشر جيران ، يعني قريشا ، وهذا لفظ النبي صلى الله عليه وسلم حين حكى بالمدينة حالة كانت في مبدأ البعثة ، فقال : ' كنت في خير دار وشر جيران ' . ثم حكى عليه السلام ما جرى له مع عقبة بن أبي معيط ، والحديث مشهور .
وقوله : نومهم سهود وكحلهم دموع ، مثل أن يقول : جودهم بخل ، وأمنهم خوف ، أي لو استماحهم محمد عليه السلام النوم لجادوا عليه بالسهود عوضا عنه ، ولو استجداهم الكحل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدموع .
ثم قال : بأرض عالمها ملجم ، أي من عرف صدق محمد عليه السلام وآمن به في تقية وخوف . وجاهلها مكرم ، أي من جحد نبوته وكذبه في عز ومنعة . وهذا ظاهر .
الأصل : ومنها - يعني آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هم موضع سره ، ولجأ أمره ، وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه . بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه .
الشرح : اللجأ : ما تلتجئ إليه ، كالوزر ما تعتصم منه . والموئل : ما ترجع إليه ؛ يقول : إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم - أي شأنه - ملتجئ إليهم ، وعلمه مودع عندهم ، كالثوب يودع العيبة .
وحكمه - أي شرعه - يرجع ويؤول إليهم . وكتبه - يعني القرآن والسنة - عندهم ؛ فهم كالكهوف له ، لاحتوائهم عليه : وهم جبال دينه لا يتحلحلون عن الدين ؛ أو أن الدين ثابت بوجودهم ؛ كما أن الأرض ثابتة بالجبال ، ولولا الجبال لمادت بأهلها .
والهاء في ظهره ترجع إلى الدين ، وكذلك الهاء في فرائصه ، والفرائص : جمع فريصة ، وهي اللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة .
Página 88