فرفعت رأسي إلى السماء وقلت من الأعماق: «يا رب السماء، خذني وأرحني من الدنيا ومن عليها!»
ولكنها صاحت بي: بل يأخذني أنا، إني عجوز لا خير فيها. أما كان يجمل بزوجك أن تؤجل شكواها حتى تخلع ثيابك وتأكل لقمتك؟ .. ولكن هيهات أن تذعن لغير عنادها وتجبرها!
فقلت في استياء وغيظ: إنها تبكي بكاء مرا!
فصاحت بي وكأنها فقدت أعصابها: لقد سبتني وشتمتني حتى شبعت، وها هي تستقبلك بدموعها الكاذبة لتوغر صدرك، وقد أفلحت!
ما أضيع الحق بين النساء! لقد أعياني الكلام والنضال ولم أنته إلى شيء . وأعجزني أن أصلح بينهما، فنكد عيشنا طويلا وساد البيت جو خصام، وكففت يدي يائسا تاركا للأيام أن توفق بأناتها فيما أخفقت فيه. •••
وبدأت أشعر في حياتي الزوجية بفراغ! ولم يداخلني شك في أن زوجتي تشاركني هذا الشعور. ولم يعد الليل وحده الذي يثقل على أعصابنا، فما كان انفرادنا الطويل نهارا مما يمكن أن نطيقه على وتيرة واحدة إلى الأبد؛ لذلك اقترحت عليها أن نقتل الوقت بأسباب التسلية حتى يحين موعد افتتاح الدراسة وتجد ما يشغلها، وتقبلت اقتراحي بسرور ودعتني لزيارة آلها الكثيرين، فتنقلنا من بيت لبيت وزارونا بدورهم، ثم اقترحت علي أن نذهب إلى السينما يومين في الأسبوع فقبلت، ولا أدري إن كنت أروم التسلية حقا أم أهرب من حياتي الضائعة؟! ووجدت في السينما راحة وإن كنت بطبعي أوثر الوحدة والعزلة، ولكني ضقت على عجل بالزيارات التي أفقد فيها نفسي وأقع فريسة للحياء والارتباك والعي والحصر، وما لبثت أن تخلفت عنها تاركا زوجي وحدها تقوم بها.
وكان بوسعي أن أحملها على العدول عنها أسوة بي، ولكني لم أرد أن أحرمها سببا من أسباب التسلية وتزجية الفراغ، ولعلني بت أخاف في أعماقي أن تضيق بالوقت كما أضيق به. كنت أود بكل قلبي أن أهيئ لها جميع أسباب الراحة والسرور، وما كنت أتردد لحظة عن بذل جميع ما أملك في سبيل مرضاتها، لقد صارت رباب كل شيء، ولم أعد شيئا مذكورا.
ولكن بدا لي أن أمي لا ترتاح لحياتنا هذه، وقد قالت لي يوما: لا يجمل بك أن تسمح لزوجك بقضاء كل هذا الوقت خارج البيت!
وضاق صدري بملاحظاتها فقلت باقتضاب: أنسيت أن زوجي موظفة؟
فقالت بلهجتها الانتقادية: وإن كانت ...
Página desconocida