وكتابات هذا الكاتب الهزلي طراز لتفكير طبقة كبيرة ممن أصابوا حظا من التعليم، ومع أنه يجيد الفرنسية ويحسن الإنكليزية فلم يعن بأن يسلك طريقة أحد الكتاب الفرنسيين أو الإنكليز الهزالين، بل اهتم بأن يفكر ويستوحي من الجو المحلي، وهذا سر إقبال الجمهور على قراءته، بل إن الجريدة السياسية اليومية التي كان يكتب فيها هذه النقدات راجت بسببها بعد خمول، وصار القارئون يتطلبونها لقراءة «نقدات الكناس».
وبعد أن ابتسم لميخائيل تيسي الرواج فيما يكتب، شجعه هذا على إصدار جريدة أسبوعية هزلية باسم «كناس الشوارع» ظهر عددها الأول في 1 نيسان (أبريل) 1925، قال فيه بعنوان «خطتي» ومن هذا المقال تعرفون ديباجته الكتابية:
خطتي معلومة واضحة كالشمس في خامسة الليل، أحمل مكنستي وآخذ أتجول في الطرق والأزقة، فحيثما رأيت أحدا يأتي أمرا مخالفا للذوق والشم والنظام والقانون والكمنجة ضربته بمكنسة كافرة على رأسه، فإن انكسرت المكنسة راحت من كيسي، وإن انكسر رأسه راح من كيسه.
هذا؛ وقد بلغني بأن هناك بعض الناس لا يعرفون قدر أنفسهم ويتطاولون إلى ما ليس من شأنهم، ويمدون أرجلهم إلى ما وراء بساطهم؛ وعليه فليكن مجهولا لدى العموم بأني قد بثثت العيون والحواجب في كل محل من المحلات، وأطلقت رجال الخفية والظاهرية في كل مكان، فالويل لمن تأتي على يده الشكوك، خير لذلك الإنسان لو لم يولد ، فجميع مكانس العراق أكسرها بالمفردات وبالجملة على رأسه ولا أبالي، أنا رجل عصبي كسكين ودموي شاور، فإذا غضبت فإن جميع كازوزخانات العراق ومعامل الثلج لا تبرد غضبي.
أنا أبو حمد الضراب المثلث
متى تقلدت مكنستي تعرفوني
فليحذر الحاذرون وليتأهب المتأهبون، فإنهم سوف لا يعلمون حتى ومن أية جهة سيكنسون.
وقد ملأ الصحفي الهازل صحيفته دعابة وتفكهة، لا تجد فيها مقالة واحدة جدية، حتى الأخبار المحلية يكتبها في قالب المزح. وقد راجت رواجا كبيرا.
ومن أساليبه في التفنن في التهكم أن كان زار العراق أمين الريحاني فيلسوف الفريكة اللبنانية، وألقى في بعض أندية بغداد الأدبية قصائد من «شعره المنثور»، فسرعان ما نسج «كناس الشوارع» على منواله «قصيدة» على طريقة الشعر المنثور، وناعتا إياه «بالشعر المنتوف» واصفا بغداد المدينة منتقدا حالتها الصحية والعمرانية، منها هذه المقطوعة:
اللازمة
Página desconocida