وتجيب، وكأنها لا تهتم بما يقول: بالعكس ... هذه هي سن الرجولة. - سن الرجولة؟!
وتمر بخاطره الآن الآنسة «ر» فجأة، فترتسم على جبينه ابتسامة خفيفة، ويخالط فكره ندم، لقد كذب على «ر» نفس الأكذوبة عكسيا، قال لها حين عرفها إنه في الخامسة والعشرين، وكان لم يتعد العشرين ليبدو رجلا.
ويكذب الآن على ثريا، فيقول إن عمره خمسة وثلاثون ، وهو يخطو في الأربعين ... ليبدو أيضا رجلا.
إن الحديث يطوي أفكاره في ركن من عقله ليعود من جديد إلى الموضوع، موضوع الرجل والمرأة ... إنهما يقتربان مما يريد رويدا. - هل تعيش وحيدا؟ - نعم لأني لم أكن قد وجدت من يملأ فراغ بيتي ...
لقد علمه الماضي أن يتجنب المراوغة، وها هو ذا يخطو إلى منتصف الطريق في اللقاء الثاني، وتجيبه، وكأنها لا تجيبه على سؤاله ... - لقد قلت لأمي اليوم وأنا أغادر المنزل إني ذاهبة لزيارة صديقة، وآلمني أن أكذب عليها. - كذبة صغيرة. - أنا لا أحب حتى الأكاذيب الصغيرة، ولا أدري لم كذبت عليها؟ لعل ذلك لأني أفعل شيئا خاطئا.
ويرفع رأسه في دهشة، ويقول مستنكرا: لقاء في وضح النهار، وفي مكان عام شيء خاطئ ... إنك تبالغين.
وكان يعرف أنها لا تبالغ، وإنما تتعجل، لكنه رأى أن يتريث.
لم يكن يتردد في اتخاذ قراره، لكنه أحس من باب الشكل فقط أن طلب الزواج في اللقاء الثالث أكثر ملاءمة لرجل ... في سن الرجولة، إنه على أية حال قد مهد الطريق ...
وكان موعد اللقاء الثالث، فجلس إلى المائدة ينتظر ...
وانتظر طويلا، ومرت ساعة دون أن تحضر ثريا ...
Página desconocida