وقضى ليلته لا يصدق أنه رأى فتاة، فأعجب بها، وقرر أن يتزوجها، وأراد أن يخطبها في اللقاء الثالث، فلم تحضر هذه الفتاة للقائه.
ذلك قد حدث ... حدث له فعلا ... هو الذي ظل طوال الأعوام الماضية يعيش بعواطف راكدة لا تجد ما يحركها، لقد تحركت عواطفه فجأة تحت طرقات الأعوام، ولسعات الشعرات البيض.
وأخذ عقله يفرض لتخلف ثريا عن موعدها عشرات الأسباب ... لكن فرضا واحدا من هذه الفروض رفض البقاء في رأسه ... لقد رغبت عنه وصرفت نظرها لأنه لم يرقها ... لقد راقها، وما زالت جملتها ترن في أذنه: بالعكس ... هذه هي سن الرجولة ...
ما من عقل يستطيع أن يضع لهذه الجملة ترجمة غير الرضاء والقبول ... الرضاء والقبول الذي يتبعه الإيحاء بطلب الزواج ... إنه لا يصدق ... وعقله لا يقبل غير فرض واحد، لقد حدث لثريا شيء ... وانتابه القلق، وتمنى لو يطمئن إلى أنها سليمة لم يمسسها سوء، وأن شيئا لم يعقها عن لقائه ... ثم ...
ثم لا يبقى غير الفرض اللعين الذي لا يطيق رأسه أن يتحمله طويلا، لقد صرفت نظرها عنه؛ لأنه لم يرقها.
عاش ليلة يطوف عقله في حلقة مفرغة، حتى ترنح ونام في إعياء، نوم أجفانه المتعبة.
وفي الصباح تلقى رسالة ... رسالة أخذ يقرأ سطورها الأولى بصوت مسموع ...
سيدي ...
يؤسفني أن أكتب لك نيابة عن ابنتي، لأتم حديثا قصيرا بدأته معك منذ عشرين عاما.
وخفت صوته تدريجيا، وهو يمضغ الألفاظ، وكأنما خشي أن تسمعه جدران الحجرة ... وكأنما خشي أيضا أن تراه هذه الجدران، فقد رفع رأسه وأجال بصره في أنحائها ... ثم عاد إلى الرسالة لتقرأ عيناه فقط.
Página desconocida