) وَصَلتْ إليكَ يدُ سواءُ عندهاَ ... البازيُ الأشهب والغراب البقعُ (
فإنك شدّدت الياء في) البازي (لا وجه له، ووصلت ألف القطع في الأشهب. ولا أعلم أحدًا من الفصحاء شددّ الياء في البازي إلاّ البحتري، وعليه اعتمدت، وعلى لفظ بيته ركنت في قوله:
وبياضُ البازيَ أحسنُ لوْنًا ... إنْ تأملتَ منْ سوادِ الغُرابِ
وقد ردّ هذا على البحتري وخطئ في تشديده الياء. والمسموع في ذلك لغتان: إحداهما بازُ وبزاة كما تقول قاضٍ وقضاة ورامٍ ورماة. قال امرؤ القيس:
على بازٍ في السماء محلقُ
واللغة الثانية) باز (بالهمز) وأبؤز (، كما تقول كلْب وأكلبُ ويجمع على بئزان جاء ذلك في الشعر الفصيح فقال: لم أقل هكذا وإنما قلت البازي الأشهب بسكون. فقلت: قد قطعت ألف الوصل في البازي الأشهب ووصلت ألف قطع فجمعت بين ضرورتين في بيت واحد. فقال: قد جاء مثل ذلك في اشعر. إنما جاء شاذًا وليس بسائغ لمحدث.
فقال: قد قال الطرماح:
ألا أيها اللّيل الطويلُ ألا آصبحِ
فوصل. فقلت ك الطرماح قروي والرواية الصحيحة:
ألا أيها اللّيل الذي طالَ أصبحِْ ... ببسَمٍ وما الإصباحُ فيك بأرْوَحِ
قلت: وأخطأت أيضًا في قولك:
) وأنْكَ بالأمسِ كنتَ محتلمًا ... شيخَ معدٍ وأنتَ أمْردها (
فإنك أجريت المضمر في قولك) أنْك (مجراه مع الظاهر، وفيه قبح شديد. وإنما يحسن) أنْك (بمعنى أنكّ مع الظاهر، كقول الشاعر:
ويومًا تُوافينا بوجْهٍ مقُسمٍ ... كأنْ ظبيةٍ تعطو إلى وارقِ السلَمْ
وقول الآخر:
وصدرٍ مشرقِ النحرِ ... كأنْ ثدْييهِ حُقانِ
فقال: قد قال الآخر:
فلْ أنكْ في يومِ الرخاء سألتني ... فراقكِ لم أنجلْ وأنت صديقُ
فقلت له: هذا جائز على الضرورة، ووجه جوازه ضعيف جدًا. وليس يحمل القياس الشذوذ والضرورات. وعلى أنك نظرت إلى قول أبي تمام:
وأنكَ إذا ألبستهُ العزّ منعمًا ... وسرْبلْتهُ تلك الجلالةَ مفضلاِ
ثم قلت: وأخطأت أيضًا في قولك:
) هزَمتْ مكارِمُه المكارِم كلَها ... حتى كأن المكُرمات قبائلُ (
) وقتلنَ دفرًا والدهيمَ فما ترىَ ... أمُ الدّهيم وأمُ دفرٍ هابلُ (
قال: وما وجه الخطأ؟ قلت ما أردت بقولك) وقتلنَ دفرًا والدّهيم (؟ فقال: هما من أسماء الداهية، وقد تسمى الدنيا دفرًْا. فقلت: هذا خطأ في الدّفر لم يقله أحد، ولا رواه، راوٍ، ولا ادّعاه على العرب مدعٍ. فأماّ الدفر فالنّن؛ والخبر عن عمر، رحمة الله عليه و) ادفراه (والعرب تكني الدنيا أم دفرٍ من أجل المزابل التي فيها ويقال: دفرته دفرًا إذا دفعت في صدره. وقالوا للأمة يا دفار لنتنها. ويقال: دفرًا دفرًا لما يجيْ به فلان، إذا قبحت الأمر أو نتنته. وقال صاحب كتاب العين: الدَفر وقوع الدود في الطعام واللحم، والدنيا دفرة أي منتنته. ونحو هذا ذكر ابن دريد في الجمهرة. هذا قول أهل العلم ومستودع كتب اللغة ولا يعلم أحد أنه ادعى أن الداهية تسمى دفرًا، ولا أن الدنيا تسمى دفرًا. وأما الدهيم فمن أسماء الداهية؛ والأصل في ذلك أن ناقة كانت لبعض الملوك تسمىّ الدهيم، فقتل قومًا وبعث برؤوسهم عليها في غرارة، فلماّ جاءت قالوا: عليها بيض نعام. فقال الرسول: انظروا عما يفرخ البيض. فلما نظر إلى رؤوس أولاده قال:
وعنَد الدُهمِ لوْ أحلَ عقالهاُ ... فتصعدَ لم تعدمْ من الجنّ حاديا
يريد أن الجنّ تعين على فعل المكروه. ثم كثر تشاؤمهم بهذا الاسم حتى جعلوا الداهية دهيمًا. فقال: إذا كانت الدنيا تكنى أم دفْرٍ، سميت أيضًا بدفر من أجل أن كناهم لهذه الأشياء. فقلت: الأمر على خلاف ما تخيلته، ولو كان الأمر كذلك لسميت الدنيا شملة، لأنهم قد كنوها أم شملة. أنشدنا محمد بن الحسن بن مقسم، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى، ابن الأعرابي:
من أمّ شَملةَ ترَميْنا بوائقُهاُ ... غرّارةٍ رئيَتْ منها التّهاويلُ
ولكانت الخمر تسمى خلًا، من أجل أنهم كنوها أم الخل كما قال الشاعر:
رَمَيتَُ بأمَ الخلّ حبهَ قلبهِ ... فلمْ يستفق منها ثلاث لياَلي
1 / 18