تراهُ إذا ما جئتهُ متَهَللًا ... كأنك تعُطيهِ الذي أنتَ سائلهْ
وقد أخذ قوله:
كأنّكَ تُعطيهِ الذي أنتَ سائلُهْ
شاعر فقال في الّسري بن عبد الله:
كأنّ الذي يأتي السَريَ بحاجةٍ ... أناخ عليهِ بالذي جاء يطلبُ
وأخذه الكميت فقال:
كأنما جئتُهُ أبشرهُ ... ولم أجيءُ راغبًا ومُجتلباَ
ومع قول بعض العرب:
إذا ما أتاهُ السّائلونَ توقَدَتْ ... عَليهُ مصابيحُ الطّلاقةِ والبِشْرِ
لهُ في ذوي الحاجات نُعمى كأنّها ... مَواقعُ ماء المُزنْ في البلدِ القفْرِ
ومما سرقه فلم يزد على أن كرر لفظه في غير وزن البيت المسروق منه قوله:
) فإن الجُرْحَ ينفرُ بعَد حينٍ ... إذا كانَ البناءُ على فسادَ (
فإنّك أخذته لفظًا ومعنىَ من قول البحتري:
إذا ما الجْرحَ رُمّ على فسادٍ ... تَبينَ فيهِ تفرَيطُ الطّيبِ
ومن هذا النوع قولك:
) فمَضَتْ وقد صبَغَ الحَياءُ بياضهاَ ... لَوْني كما صَبَغَ الٌلجينَ العَسجدُ (
فما تصنع بهذا مع قول ذي الرمة:
حَوْراءُ في برَجٍ صَفراءُ في نعَجٍ ... كأنّها فضةُ قد مَسهاَ ذهبُ
ومن هذه الجذوة اقتبس بشار قوله:
قد لَحّ بي في لعبِ ... ذو راحةٍ من تَعبِ
جسْمٌ من الفّضةِ قد ... تشَرْبتْ بالذهَبِ
ومن هاهنا نقل أبو الشيص قوله في صفة الخمر:
كأنما أقداحهاُ فضِةٌ ... قد بطّنتْ بالذهبِ الأحمرِ
ومن تقصيرك في الأخذ قولك:
) لا بقوْمي شٌرْفتُ بل شُرفوا بي ... وبنفسي فَخَرْتُ لا بجدودي (
فإنك أخذته من قول الأول:
نَفس عصامٍ سَوّدتْ عصاما ... وعلَمتهُ الكرَ والإقداماَ
وجعلَتهُ مَلكًا هُماما وما تصنع بقولك وقول غيرك في هذا المعنى مع قول عامر بن الطفيل:
فما سَوّدّتني عامرُ عنَ وراثَةٍ ... أبىَ اللهّ أنْ أسموُ بأمٍ ولا أبِ
ولكننيّ أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرْمي منَ وماها بمقْنبِ
ومن تقصيرك فيما سرقته قولك:
) بانوا بخُرْعوبةٍ لها كَفلٌ ... يكادُ ند القيامِ يقعدها (
فإنك أخذته بقول المحدثين:
تَمشي فيقُعدها روَادِفهاُ ... فكأنما تمشي إلى خَلْفِ
فهذا هو الإعذار. ألا ترى أنك لم تستوف المعنى لأنك إنما أخذت الشطر الأول الشطر الأول من هذا البيت وغادرت قوله:
فكأنمْا تمشي إلى خَلفِ
ومن التقصير الشديد قولك:
) أمنَ ازدياركَ في الدَجى الرّقباءُ ... إذ حيثُ كنتِ من الظلامَ ضياءُ (
وهذا من التكلف الشديد، البعيد من اللفظ السديد. ثم قلت:
) قلقُ الملَيحة وهيَ مسكُ هتكهاُ ... ومَسيُرها بليلِ وهيَ ذٌكاءٌ
ففي قولك) هتْكها (هتك لحريم ودها. وقد سرقت البيت الأول من قول الشاعر:
تَبَسمتْ فانجلى الظلامَ ولمْ ... تَخفْ وقد كان قبل أخفاها
ومن قول الآخر:
قَمرَ نمَ عَليهِ حُسنهُ ... كيفَ يخْفي الليلُ بدرًا طالعاَ
وأخذت البيت الثاني من قول بشار:
أملي لا تأتِ في قمرٍ ... لحَديثٍ واثقِ الدرُعاَ
وتَوقّ الطَيب ليلَكَ ذا ... إنهُ واشٍ إذا سَطعَا
وقد أخذ بشار البيت الأول من قول عمر بن أبي ربيعة:
قالتْ صَدقتَ ولكنْ في قمرٍ ... ألا تَبصّرتَ حتى تأتي الدرعُ
ثم قلت له وأخرى من قولك:
) طَلبَ الإمارةَ في الثغورِ ونشؤهُ ... ما بينَ كَرْخايا إلى كلْواذاَ (
من أين لك هذه اللغة في) كلواذا (؟ ما أحسبك أخذتها إلا عن الملاحين.
قال: وكيف؟ قلت: وإنك أخطأت فيها خطأ تعثرت فيه ضالًا عن وجه الصواب. قال: ولم؟ قلت: لأن الصواب كلْواذ بكسر الكاف وإسكان وإسقاط الياء. قال: وما الكلواذ؟ قلت: تابوت التوراة بها سميت المدينة. قال: وما الدليل على هذا؟ قلت الراجز:
كأن أصوات الغبيطِ الشاذي ... زَبْرُ مهاريقٍ على كلْوادِ
والكلواذ: تابوت توراة موسى. وحكي في بعض الروايات أنّه كان مدفونًا بهذا الموضع، فمن أجله سميت كلوذا. وأطرق لا يحير جوابًا ثم قال: لم يسبق إلي علم هذا، وقولك مقبول والفائدة غير مكفورة. قلت: وأخطأت في قولك:
1 / 17