كان أبو الفرج الزهرجي كاتب حضرة نصر الدولة - أدام الله حراسته - كتب رسالة إلي أعطانيها ورسالة إليه - أدام الله تأييده - استودعنيها وسألني إيصالها إلى جليل حضرته، وأكون نافثها لا باعثها ومعجلها لا مؤجلها، فسرق عديلي رحلا لي الرسالة فيه، فكتبت هذه الرسالة أشكو أموري وأبث شقوري وأطلعه طلع عجري وبجري، وما لقيت في سفري من أقوام يدعون العلم والأدب، والأدب أدب النفس لا أدب الدرس، وهم أصفار منهما جميعا، ولهم تصحيفات كنت إذا رددتها عليهم نسبوا التصحيف إلي، وصاروا إلبا علي، لقيت أبا الفرج الزهرجي بآمد ومعه خزانة كتبه فعرضها علي، فقلت: كتبك هذه يهودية قد برئت من الشريعة الحنيفية، فأظهر من ذلك إعظاما وإنكارا، فقلت له: أنت على المجرب ومثلي لا يهرف بما لا يعرف، وأبلغ تيقن فقرأ هو وولده. وقال: صغر الخبر الخبر وكتب إلي رسالة يقرظني فيها بطبع له كريم وخلق غير ذميم، قال المتنبي:
أذم إلى هذا الزمان أهيله
صغرهم تصغير تحقير غير تكبير، وتقليل غير تكثير، فنفث مصدورا وأظهر ضمير مستورا وهو سائغ في مجال الشعر، وقائله غير ممنوع من النظم والنثر، ولكنه وضعه غير موضعه وخاطب به غير مستحقه وما يستحق زمان ساعده بلقاء سيف الدولة أن يطلق على أهله الذم، وكيف وهو القائل يخاطبه:
أسير إلى إقطاعه في ثيابه
على طرفه من داره بجسامه
وقد كان من حقه أن يجعلهم في خفارته؛ إذ كانوا منسوبين إليه ومحسوبين عليه، ولا يجب أن يشكو عاقلا ناطقا إلى غير عاقل ولا ناطق؛ إذ الزمان حركات الفلك إلا أن يكون ممن يعتقد أن الأفلاك تعقل وتعلم وتفهم وتدري بمواقع أفعالها بقصود وإرادات، ويحمله هذا الاعتقاد على أن يقرب لها القرابين ويدخن الدخن فيكون مناقضا لقوله:
فتبا لدين عبيد النجوم
ومن يدعي أنها تعقل
أو يكون كما قال تعالى في كتابه الكريم:
مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء (النساء: 143) ويوشك أن تكون هذه صفته.
Página desconocida