89

Epístolas de los Hermanos de la Pureza

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Géneros

واعلم يا أخي بأن كل صانع من البشر لا بد له من أستاذ يتعلم منه صنعته أو علمه، وذلك الأستاذ من أستاذ له قبل، وهكذا حتى ينتهي إلى واحد ليس علمه من أحد من البشر، فيكون عند ذلك أحد الأمرين، إما أن نقول: إنه استخرجه بقوة نفسه وفكره ورويته واجتهاده - كما يزعم المتفلسفون - وإما أن نقول: إنه أخذه عن موقف له ليس من البشر كما يقول الأنبياء - صلوات الله عليهم.

واعلم يا أخي علما يقينا أنه ليس من البشر أحد يحيط بعلم من العلوم لا الأنبياء ولا الفلاسفة ولا غيرهم إلا بما شاء الذي وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم؛ وذلك أن الذين زعموا أنهم استخرجوا العلوم والصنائع بقوة عقولهم وجودة فكرهم ورويتهم لولا أنهم رأوا وشاهدوا مصنوعات الطبيعة، فاعتبروها وقاسوا عليها، وكان ذلك لهم كالتعليم من الطبيعة؛ لما اهتدوا إلى شيء منها، والطبيعة أيضا لولا أنها مؤيدة بالنفس الكلية، والنفس الكلية لولا إنها مؤيدة بالعقل الكلي الذي هو أول الموجودات من الباري سبحانه، والباري سبحانه هو المؤيد للكل كيف شاء الذي هو صانع الأسباب، والمؤيد للب ذوي الألباب.

وإذ قد فرغنا من ذكر الصنائع البشرية وموضوعاتها وأغراضها وشرفها ومنافعها؛ فقد بينا أن خير صناعة تبلغ إليها طاقة البشر وضع الناموس الإلهي، وقد ذكرنا كيفيتها وشرائطها في رسالة الناموس الإلهي، فاجتهد يا أخي في معرفة أسراره؛ لعل نفسك تنتبه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة وتحيا بروح المعارف العقلية، فتعيش بعيش العلماء الربانيين وتنال نعيم عالم الروحانيين في جوار الملائكة المقربين مخلدا أبد الآبدين، فإن لم يستو لك ذلك فكن خادما في الناموس بحفظ أحكامه والقيام بحدوده، فلعلك تنجو بشفاعة أهله من بحر الهيولى وأسر الطبيعة وهاوية عالم الجسام بالكون والفساد ذوي الآلام، وفقك الله وإيانا أيها الأخ للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد، إنه كريم جواد، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله وآله.

الرسالة التاسعة في بيان الأخلاق وأسباب اختلافها وأنواع عللها ونكت من آداب الأنبياء، وزبد من أخلاق الحكماء

بسم الله الرحمن الرحيم

@QUR011 الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون

وإذ قد فرغنا من ذكر الجواهر الجسمانية ووصفنا هيولاتها وصورها وتركيبها.

وإذ فرغنا من ذكر تصاريف الأحوال بالإنسان في الرحم من يوم مسقط النطفة إلى يوم ولادة الجسد، وبينا كيف ينضاف إلى خلقة الجنين قوى روحانيات الكواكب، وكيف تنطبع في جبلته الأخلاق المختلفة المركوزة في الطبيعة تسعة أشهر شهرا بعد شهر الذي هو المكث الطبيعي إلى يوم ولادة الطفل، واستئناف الإنسان العمر في الحياة الدنيا مائة وعشرين سنة الذي هو العمر الطبيعي في رسالة مسقط النطفة؛ فنريد أن نذكر في هذه الرسالة ما ينضاف إلى تلك الطباع المركوزة في الأخلاق المكتسبة بعد الولادة بالعادات الجارية والأسباب الداعية المولدة لها، إما زائدة عليها أو ناقصة عنها في تصاريف أيام الحياة الدنيا إلى يوم الممات الذي هو مفارقة النفس الجسد وولادتها الثانية التي هي النشأة الأخرى، كما ذكر الله - جل ثناؤه - بقوله: @QUR06 ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون يعني: النشأة الآخرة، وقال تعالى: @QUR05 وننشئكم في ما لا تعلمون وقال الله - عز وجل: @QUR011 ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير.

(1) فصل في قابلية الإنسان جميع الأخلاق

اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الله - جل ثناؤه - لما أراد أن يجعل في الأرض خليفة له من البشر؛ ليكون العالم السفلي الذي هو دون فلك القمر عامرا بكون الناس فيه، مملوءا من المصنوعات العجيبة على أيديهم، محفوظا على النظام والترتيب بالسياسات الناموسية والملكوتية والفلسفية والعامية والخاصية جميعا؛ ليكون العالم باقيا على أتم حالاته وأكمل غاياته، كما ذكر في السفر الرابع من صحف هرمس وهو إدريس النبي - عليه السلام - وذكرناه في الرسالة الجامعة، وأشرنا إليه في رسائلنا، وكما سنبين في هذه الرسالة.

Página desconocida