وإن من العجيب حقا أن ينفرد بالاغترار بكلامه في هذه المسألة الخطيرة العلامة السيد محمد رشيد رضا رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى لما تعلم عنه من استقلاله في الفهم وبعده عن الجمود والتقليد فإنه مع ذلك تابعه عليه دون كل من وقفنا على كلامه من المحققين الذين وقفوا عليه ولم يتابعوه أمثال الآلوسي أبا وابنا وغيرهما ممن سبق ذكره فقد نقل السيد رشيد كلام ابن القيم على طوله من (حادي الأرواح) في تفسير سورة (الأنعام) (ج ٨ ص ٦٩ - ٩٩) تحت (فصل في الخلاف في أبدية النار وعذابها) وختمه مفصحا عن إعجابه به بقوله:
(وإنما أوردناه بنصه على طوله لما تضمنه من الحقائق التي نوهنا بها ولأمر آخر أهم وهو أننا نعلم أن أقوى شبهات الناس من جميع الأمم على الدين قول أهل كل دين من الأديان المشهورة أنهم هم الناجون وحدهم وأكثر البشر يعذبون عذابا شديدا دائما لا ينتهي أبدا بل تمر ألوف الألوف المكررة من الأحقاب والقرون ولا يزداد إلا شدة وقوة وامتدادا مع قولهم ولا سيما المسلمين منهم: أن الله تعالى أرحم الراحمين وإن رحمة الأم العطوف الرؤوم بولدها الوحيد ليست إلا جزاءا صغيرا من رحمة الله التي وسعت كل شيء
وهذا البحث جدير بأن يزيل شبهة هؤلاء فيرجع المستعدون منهم إلى دين الله تعالى مذعنين لأمره ونهيه راجين رحمته خائفين عقابه الذي تقتضيه حكمته لأنهم لا يعلمون قدره) (١)
قلت هذا الكلام خيال لا حقيقة له في الواقع لأن الأصل في هذه المسألة وغيرها من المسائل الاعتقادية الغيبية إنما هو الإيمان بما جاءنا عن الرحمن الرحيم العليم الحكيم كما قال في القرآن الكريم: ﴿هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب﴾
(١) وقد أشرنا إلى الصواب في التعليق على (مختصر تفسير المنار) ج٢ / ٥٤١ مع أنه السيد رشيد رضا ﵀ لم يسترسل فيه وهذا يدلك على فوائد مختصر المنار وتعليقات الشيخ محمد كنعان وقد قمت بمراجعته وهو من مطبوعات المكتب الإسلامي
1 / 45