وهو الإيمان بكل ما غاب عن عقلك فمن لم يؤمن بما أخبر به تعالى من خلود الكافرين في النار أبد العابدين لأن عقله لم يقبله فلن يؤمن بعقاب يبلغ مئات السنين أخبر به رب العالمين في مثل آية ﴿لابثين فيها أحقابا﴾ ولو على افتراض أن له أمد منتهيا (لا يعلمون قدره) إذ أن لبثهم هذه المدة الطويلة التي تزيد على مدة عمرهم الذي قضوه كافرين أضعافا مضاعفة فلو أراد أحد أن يقنعهم بها وأنها عدل من الله فلن يصل إلى نتيجة معهم أبدا اللهم إلا من طريق الإيمان بالله ورسوله
وإذا كان الأمر كذلك فمن العبث بل من الضلال أن يحاول أحد إقناع المشركين في أصل الدين ببعض ما جاء فيه من العقائد من طريق العقل المجرد عن الإيمان فإن هذا مع كونه لا يثمر معهم إلا الخسران فإنه ليس من سبيل المؤمنين بل هو سبيل المتأثرين بالفلسفة وعلم الكلام الذي حملهم إلى تأول آيات وأحاديث الصفات وتفسيرها بما يتناسب مع عقولهم وأهواء أمثالهم من ضعفاء الإيمان وربما فعل ذلك بعضهم لإقناع الآخرين وإن كان هو في قرارة نفسه لا يؤمن بذلك التأويل فهل يمكن أن يكون كلام السيد رشيد رضا من هذا القبيل بغية إرشاد من ضل عن سواء السبيل؟
فقد كنت لقيت رجلا فاضلا في بعض أسفاري إلى المغرب منذ بعض سنين يظهر أنه سلفي العقيدة فزرته في داره
ودار البحث في الدعوة السلفية هناك وإذا به يصرح بأنه لا يرى مانعا في سبيل تقريب الناس إليها من تأويل آيات الصفات وأحاديثها لإقناع المخالفين
فقلت له: عجبا كيف يمكن أن يكون هذا؟ إذ كيف تقدم إليهم معنى للنص أنت تؤمن بخلافه أولا ثم كيف تكون قد دعوته إلى مذهبك السلفي وقد قدمت إليه المعني الخلفي؟ أن أخشى ما أخشاه أن يكون هذا من باب قول من قال: (وداوني بالتي كانت هي الداء
1 / 46