بقوله، ﷺ، في الحديث الصحيح: "إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ (١) والصَّلاَة" زاد الدارقطني وَأَحَدُكُمْ صائِمُ، فَلْيَبْدَأْ بِالْعَشَاءِ (٢).
وههنا اختلف العلماء، قديمًا وحديثًا، إذا ترك الصلاة في أول الوقت بعد علمه بها هل يتركها إِلى بدلٍ أو يتركها مطلقًا.
فمن العلماء من قال إنه يتركها مطلقًا وليس بشيء لأن في ذلك تسوية بينها وبين النفل، ومنهم من قال يتركها إلى بدل وهو العزم على الفعل. فإن قبل لو كان العزم على الفعل بدلًا لأسقطها إذا فعل كسائِرِ الأبدال إذا فُعِلت سقطت مبدلاتها.
والجواب أن سائر المبدلات إنما سقطت بأبدالها لأنها جَعِلت بدلًا عن أصل الفعل، وفي مسألتنا جعل العزم بدلًا عن تأخير الفعل، وقد أدخل الدارقطني هذا الحديث في أوهام مالك لمخالفة الجماعة له فيه وانفراده به دونهم (٣) والله أعلم.
_________
(١) متفق عليه البخاري في كتاب الآذان باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة ١/ ١٧١، ومسلم في المساجد باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام ١/ ٣٩٢، كلاهما عن أنس عن النبي، ﷺ، قال: "إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الْصَّلاَةُ فَآبْدَؤُوا بِالْعَشَاءِ".
(٢) لم أطلع عليه في مظانه من سنن الدارقطني، ولم أجد من عزاه له غير الشارح وعزاه الهَيْثَمِي للطبرَاني في الأوسط وقال رجاله رجال الصحيح.
مجمع الزوائد ٢/ ٤٦ - ٤٧. وصحح أيضًا هذه الرواية الحافظ فقال، في رواية صحيحه: (إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ) .. وقال أيضًا: زاد ابن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أَعْيُن عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب، وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرّد بها، وموسى بن أعين ثقة متفق عليه. فتح الباري ٢/ ١٦٠.
(٣) قال الدارقطني في غرائب حديث مالك: روى مالك، في الموطأ عن الزهري عن أنس: كنا نصلّي العصر ثم يذهب الذاهب إلي قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة موقوفًا، وقد أسنده عنه ابن المبارك وغيره في غير الموطأ. وخالف مالك أصحاب الزهري في قوله إلي قباء فرفعوه كلهم إلي النبي، ﷺ، وقالوا فيه: فيذهب الذاهب إلي العوالي، ولم يقل أحد منهم إلي قباء. غرائب حديث مالك ل ٣ ب و٤، وكذا قال مثل الكلام السابق في الالزامات. ص ٤٠٣.
ونقل الحافظ عن ابن عبد البَرّ قوله: لم يختلف على مالك أنه قال في هذا الحديث إلي قباء، ولم يتابعه أحد من أصحاب الزهري، بل كلهم يقولون إلي العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث وقول مالك إلى قباء وهم لا شك فيه.
وقد عقّب الحافظ على كلام ابن عبد البر بقوله وتعقب بأنه روي عن ابن أبي ذؤيب عن الزُّهري إلى قباء، كما قال مالك. نقله البَاجي عن الدارقطني فنسبه الوهم فيه إلي مالك منتقدًا. فإنه وإن كان وهمًا احتمل أن يكون منه أو يكون من الزهري حين حدّث به مالكًا، وقد رواه خالد بن مُخلد عن مالك فقال فيه إلي العوالي،=
1 / 85