قال أبو عبيد: " اسم السلام " ههنا هو السلام، كما يقال: هذا وجه الحق، يراد هذا الحق، " فثمَّ وجه الله " أي الله. فقال المبرد: غلط أبو عبيد وأخطأ أبو عبيدة، والذي عندنا أنّ لبيدًا أراد بقوله " اسم الله " اسم الله ﷿، وهذا الذي أختاره ويختاره أصحابنا. فقلت: السلام عندي ههنا هو اللفظ الموضوع لتقضي الأشياء فتختم بها الرسائل والخطب والكتب والكلام الذي يستوفي معناه، فليس لها مسمى غيرها وهي مثلُ حسب وقط وقد الموضوعات لتقضي الأشياء وختم الكلام، فهي اسم لامسمى له غيره. قال: فأعجب ذلك المبرد واستحسنه وقال لي: لاعدمتك، يا أبا عبد اللهه! فما سرني بهذه حمر النعم.
وسئل أبو عبيدة عن قوله تعالى: (وحَسُنَ أُولئِكَ رَفيقًا)، فقال: العرب تجعل الواحد في موضع الجمع، قال عباس بن مرداس " من الوافر ":
فقلنا: أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإجن الصدور
وقال: (ثمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا)، وقال: (يَنظُرُون مِنْ طَرَفٍ خَفِي) . وقال في قوله: (أكادُ أُخْفيِها) أي أظهرها، قال: وأنشدني أبو الخطاب قول تمرئ القيس بن عابس الكندي " من المتقارب ":
فإن تكتموا الداء لانخفه ... وإن تبعثوا الحرب لانقعد
وقال في قوله تعالى: (وَالَّذين يكنزون الذَّهبَ وَالفِضَّة وَلاَ يُنْفقونها في سبيل اللهٍ) ولم يقلُ: ينفقونها في سبيل الله، جاء الخبر لواحد كما قال البرجمي " من الطويل ":
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
وقال أبو قيس بن الأسلت " من المنسرح ":
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرأي مشترك
وقال آخر " من الخفيف ":
إنّ شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونًا
وقال في قوله: (أوَ لَمْ يَرَ الذَّين كَفَرُوا أنَّ السَّمواتِ وَالأرض كانتا رَتْقًا) ولم يقل: رتقين، قال الأسود بن يعفر " من الكامل ":
إنَّ المنية والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرقبان سوادي
والرتق الذي ليس فيه ثقب، ففتق الله ﷿ السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات. وقال في قوله: (خلق الإنسان مِنْ عجل) إنما العجل خلق من الإنسان، وفي قوله: (ما إنَّ مفاتحه لتنوءُ بالعصبة) وإنما العصبة تنوء أي تنهض بالمفاتح، والعرب تقول: إنها لتنوء عجيزتها بها، والمعنى: هي تنوء أي تنهض بعجيزتها. قال الجعدي " من الطويل ":
تمززتها والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا
وأنشد أبيات المتلمس " من الطويل ":
أحارث إنا لو تساط دماؤنا ... تزايلن حتى لايمس دم دما
وقال: هذا أشد بيت قيل في النفي ومنها:
وما كنت الا مثل قاطع كفه ... بكف له أخرى فأصبح أجذما
يداه أصابت هذه حتف هذه ... فلم تجد الأخرى عليها مقدما
فلما استقاد الكفَّ بالكف لم يكن ... له درك في أن تبينا فأحجما
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغًا لنابيه الشجاع لصمما
قال أبو عبيدة: يريد أنه فيما صنع به أخواله بمنزلة من قطع يده الأخرى فبقي أجذم فأمسك عنهم.
قال أبو عبيدة: كان بالبصرة نخاس في سوق الإبل يقال له ثبيت، فنزل به أعرابي، فجعل يصلي إلى الصباح ولم يطعم الأعرابي شيئًا، فقال الأعرابي لما صلى الغداة " من الوافر ":
لخبز يا ثبيت عليه لحم ... أحب إليَّ من صوت القرآن
تبيت تدهده القرآن حولي ... كأنك عند رأسي عقربان
فلو أطعمتني خبزًا ولحما ... حمدنا والطعام له مكان
قال أبو عبيدة: فاستفدنا من الأعرابي عقربان، يقال للذكر عقربان وللأنثى عقربة. - قيل له: أيما أشعر أبو نواس أو أبي عيينة؟ قال: لاأحكم بين الشعراء إذا كانوا أحياء.
وقال: إنما سمي قصيًا لأنه قصا مع أبيه، وسمي المغيرة عبد مناف لأن أمه أخدمته منافا صنما كان لهم في الجاهلية، وكان اسمه ايضا القمر؛ وعمرو هاشما لأنه هشم الثريد، وأول من هشم إسماعيل ﵇ ثمّ عمرو وعبد المطلب لما زاره مع عمه المطلب حين جاء به من عند أمه؛ وكان المطلب ابن عبد مناف يلقب الفيض. اسم الجارود بشر بن عمرو، وهو من سادات عبد القيس، وإنما سمي الجارود بقوله " من الطويل ":
1 / 41