قال أبو عبد الرحمان السُلمي: خطبنا الحسن بن علي ﵄ بعد وفاة عليّ ﵁، فقال: ياأيها الناس، والله قد فقدتم رجلًا ما سبقه أحد كان قبله، ولا يلحقه أحدٌ يكون بعده، كان رسول الله ﷺ يبعثه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، ماترك صفراء ولا بيضاء إلا ثماني مائة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادما. ثمّ بكى وبكى الناس، ثمّ قال: وقد أخبره رسول الله ﷺ أنه مقتول، " فإنا لله وإنا إليه راجعون "، لا معقب لحكمه ولاراد لقضائه! قال المازني: دخلت على أبي زيد في مرضه الذي مات فيه، فقال: أشتكي صدري. فقلت: أمرخه بشمع ودهن! فقال: ليس كذا، إنما هو أمرخه، فتعجبت منه في تلك الحال يعلمني. - ومات أبو زيد ﵀ سنة خمس عشرة - وقيل: أربع عشرة - ومائتين، وله ثلاث - وقيل: اربع، وقيل: خمس - وتسعون سنة.
٣٠ - ومن أخبار أي عبيدة معمر بن المثنى
هو مولى لتيم قريش في قول أبي عبيد القاسم بن سلام، وقال أبو سعيد السُكري: أبو عبيدة مولى بني سلامة من بني تيم بن مرة، وسلامة هذه أم عبد الرحمان، ومنهم من وهم ويقول: آل سلامة مخففًا يوهمون أنه رجل، وعثمان بن عفان قاضي البصرة خاله، ولد سنة اثنتي عشرة ومائة ومات سنة ثمان ومائتين، بلغ ثلاثا وتسعين سنة.
قال ثعلب: من أراد أخبار الجاهلية فعليه بكتب أبي عبيدة، ومن أراد أخبار الإسلام فعليه بكتب المدائني. - وهو أولُ من رسم في الجاهليين والإسلاميين من الجوداء والفرسان وغير ذلك كتابًا سماه الناس بالديباج. - كان أبو نواس يتعلم من أبي عبيدة ويصفه ويشنأ الأصمعي ويهجوه، فقيل له: ماتقول في الأصمعي؟ قال: بلبل في قفص. قيل: فما تقول في خلف الأحمر؟ قال: جمع علم الناس وفهمه. قيل: فما تقول في أبي عبيدة؟ قال: ذاك أديم طوي على علم.
قال أبو عبيدة: قال لي رجلً من الملحدين: مامعنى قول الله تعالى (قُلْ إنْ كان للرِحمن وَلَدٌ فأنَا أَوَّلُ العَابدين) . فقلت: العابد في قول العرب الآنف، ألم تسمع قول الشاعر " من الوافر ":
وأعبد أن أسبَّهم بقومي ... وأترك دارمًا وبني رياح
أولئك إن سببت وفاءُ قومي ... وأحذر أن أعاقب بالجناح
وكذا قولُ الفرزدق " من الطويل ":
أولئك أكفائي فجئني بمثلهم ... وأعبدُ أن أهجو عبيدًا بدارمِ
وقال أبو حاتم: كان أبو عبيدة صفريًا وكان يكتم ذلك فأنشدني لعمران ابن حطان " من البسيط ":
أنكرت بعدك من قد كنت أعرفه ... ماالناس بعدك يامرداسُ بالناس
إما تكن ذقت كأسًا دار أولها ... على القرون فذاقوا نهلة الكاس
فكل من لم يذقها شاربٌ عجل ... منها بأنفاس وردٍ بعد أنفاس
قد كنت أبكيك حينًا ثمّ قد يئست ... نفسي فما ردَّ عني عبرتي ياسي
قال: وكثيرا ما ينشد أشعارهم ثمّ يتمثل " من الطويل ":
أولئك قومٌ إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
قال: والصفرية أصحاب عبد الله بن صفار أحد بني سعد؛ والإباضية أصحاب عبد الله بن إباض أحد بني سعد؛ والأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق، وكان صفريًا ثمّ خالفهم في تعذيب الأطفال، فتبرؤا منه واتبعه على رأيه أبو فديك ونجدة بن عامر الحنفي. - قال التوزي: كنت إذا أردت أن أنشط أبا عبيدة سألته عن أخبار الخوارج فأبعج منه ثبج بحرٍ، فجئته يومًا وهو مطرق ينكت في الأرض في صحن المسجد، وقد قربت منه الشمس، فسلمت فلم يُردَّ عليَّ، فتمثلتُ " من الوافر ":
وما للمرء خير في حياةٍ ... إذا ما عُدَّ من سقط المتاع
فنظر إليَّ وقال: ويحك! أتدري لمن البيت؟ فقلت: لقطري. فقال: أسكت، فضَّ الله فاك إلا قلت: أمير المؤمنين أبو نعامة! ثمّ انتبه فقال: أكتمها عليَّ! فقلت: هي بنت الأرض.
قال أبو عبد الله محمد بن زيد الواسطي: كنت في مجلس المبرد فجرى ذكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام محتجًا لمذهبه في أن الأسم هو المسمى بقول لبيد - وهو مذهب أبي عبيدة - " من الطويل ":
إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما
1 / 40