أبى الحاوون أن يطوا حماه ... ولا تسري بعقونه الذئاب
إذا ما استجرس الأصوات أبدى ... لسانًا دونه الموت العباب
يعظل نهاره نومًا سباتًا ... ونزوته طمورًا وانسياب
كأن جرادة نشرت عليه ... جناحًا فارتدى منها الحباب
متى مايرم عن عينيه شخصًا ... فليس إلى الحياة له إياب
وقال " من الكامل ":
صب اإله على عبيد حية ... لاتنفع النفاث فيها والرقى
جبلية تسري إذا ما جنها ... ليلٍ وتكمن بالنهار فما ترى
مهروتة الشدقين ينطف نابها ... سمًا ترى ما أن يهاب ويتقى
خضرت لها عنق وسائر خلقها ... بض يبين كمثل مصباح الدجى
وكأنما لبست بأعلى لونها ... بردًا من الأثواب أنعجة البلى
رقشاه تقتصد الطريق إذا دنا ... منها المساء كأنها ثنيا رشا
قرناء أنساها الزمان فأدركت ... عادًا فليس لنهشه منها شفا
أو حية ذا طفيتين أحله ... آباؤه في شامخ صعب الذرى
فنشا بغار مظلم أرجاؤه ... لا الريح تصرده ولا برد الشتا
لم تغشه شمس وحالف قعره ... فنهاره ومساؤه فيه سوا
لو عض حرفي صخرة لتطايرت ... من نابه فلقا كأفلاق النوى
أو حالكًا أما النهار فكامن ... متطرق فإذا رأى ليلًا سرى
في عينه قبل وفي خيشومه ... فطس وفي أنيابه مثل المدى
يلقى عبيدًا ماشيًا متفضلًا ... متخلفًا قد ملَّه طول السرى
في ليلة نحس يحار هداتها ... لا لابسًا خفًا يقيه ولاحذا
فيحوصه في كعبه بمذرب ... ماضٍ إذا أنحى على عظم فرى
وقال يدعو على رجل بالرتيلي " من الرجز ":
ابعث له من الرتيلي سقما ... مذبوبة تبعث فيه ألما
يظل منه لحمه مقسمًا ... دهماء مثل العنكبوت أيما
لم تبق بعلًا لا ولم تبق اينما ... جزاء خطاب بما تأثما
وقال أيضًا في مثله " من الرجز ":
ابعث له يارب ذات أرجل ... في فمها أحجن مثل المنجل
دهماء مثل العنكبوت المحول ... تأخذه من تحته ومن عل
وقال في العقرب " من الرجز ":
يا ربنا ربَّ الشمال والصبا ... ومن سعى بالبيت أو تحصبا
ابعث له تحت الظلام عقربا ... مصفرة تنمي إليه خببا
تسل محجوبًا نحيفًا نيربا ... أكلف لو مسسته لأندبا
كأنما تمس منه حربا ... حتى إذا خالطه فضربا
أتاك منه سائلًا محببًا ... فإن نجا فابعث إليه القرطبا
فمرَّ يفري سبسبًا فسبسبًا ... فصعدا دماغه وصوبا
وأكلا من لحمه وشربا ... جزاء خطاب بما تحوبا
وقال في البرغوث " من الرجز ":
يا عجبًا للدهر ذي الإعجاب ... للأحدب البرغوث ذي الأنياب
يلسع لسع العقرب الدباب ... يقفز بين الجلد والثياب
وقال " من الرجز ":
وحية مسكنه الرمال ... كأنه إذا انثنى خلخال
وقال " من الرجز ":
ابعث على الكذاب في برد السحر ... حية غار في منيف مشمخر
وقال " من الرجز ":
وحنش كأنه رشاء ... أسود ما لمسه دواء
وقال في مرض موته " من الرجز ":
يا أيها الليل الطويل ذنبه ... كأن دينًا لك عندي تطلبه
أما لهذا الليل صبح يقربه
وتمثل عند موته بهذا البيت " من البسيط ":
لايبرح المرء يستقري مضاجعه ... حتى يبيت بأقصاهن مضجعا
وقال المبرد: إن خلفًا بقي إلى وفاة الرشيد أو بعد ذلك. وقال عبد الباقي ابن قانع: توفي خلف سنة خمس وسبعين ومائة. وهذا بعيد مما أورده المبرد لأن الرشيد توفي سنة ثلاث وتسعين ومائة، والله أعلم.
١٨ - ومن أخبار أبي محمد اليزيدي
1 / 29