وقال خلف: كنت أسمع ببشار وما كنت رأيته، فذكروه لي يومًا وذكروا بيانه وسرعة جوابه وجودة شعره، وأنشدوني شعرًا ليس بالمحمود عندي. فقلت: والله لآتينه ولأطأطئن منه! فأتيته وهو جالس على باب داره، فرأيت أعمى قبيح المنظر عظيم الجثة، فقلت: لعن الله من يبالي بهذا! فوقفت أتأمله طويلًا، فبينا أنا كذلك إذ جاءه رجل فقال: إن فلانًا سبعك عند الأمير محمد بن سليمان ووضع منك. فقال: أفعل؟ قال: نعم! فأطرق، وجلس الرجل عنده وجلست، وجاء قومٌ فسلموا عليه، فلم يردد ﵈، فجلسوا ينظرون إليه، فندرت أوداجه فما نشب أن أنشدنا بأعلى صوته وأفخمه " من الكامل ":
نبئت راكب أمه يغتابني ... عند الأمير وهل عليَّ أمير
ناري محرقة وسيبي واسع ... للمعتفين ومجلسي مغمور
ولي المهابة في الأحبة والعدى ... وكأنني أسد به تأمور
غرثت حليلته وأخطأ صيده ... فله على لقم الطريق زئير
فارتعدت والله فرائصي وعظم في عيني جدًا وقلت في نفسي: الحمد لله الذي أنقذني من شرك! وذكر عليّ بن هارون المنجم عن أبيه أن خلفًا قال قصيدة نحلها عباد بن الممزق، يذكر فيها أبا محمد اليزيدي ويرميه باللواط بأملح معان وأقرب لفظ، وهي " من الكامل ":
إني ومن وسج المطي له ... حدب الذرى اقرابها رجف
يطرحن باليد السخال إذا ... حث النجاء الركب وازدهفوا
وإذا قطعن مساف مهمهة ... تأتي تعرض دونه شرف
والمحرمون لصوتهم زجل ... بفناء كعبته إذا هتفوا
وافت بهم فرض مزممة ... مثل القسي ضوامر شسف
مني إليه غير ذي كذبٍ ... ما أن رأى قوم ولا عرفوا
في غبر الناس الذين بقوا ... والفرط الماضيين إذ سلفوا
في معرك تلقى الكمي به ... للوجه منبطحًا وينحرف
وإذا أكب القرن أتبعه ... طعنًا دوين صلاه ينخسف
لله درك أي ذي دلف ... في الحرب أنت إذا هم وقفوا
لاتخطئ الوجعاء ألته ... ولا تصد إذا هم زحفوا
وله جياد ليس تعوزها الاجلال والمضمار والعلف
جرد يهان لها السويق وألبان اللقاح كأنها ترف
مرد وأطفال تخالهم ... درًا تطابق فوقه الصدف
ومتى يشا يجنب له جذع ... نهد أسيل الخد مشترف
يمشي العرضنة تحت فارسه ... عبل الشوى في مشيه قطف
ربذا إذا عرقت مغابنه ... ذهب السكون وأقبل العنف
في حقوه عرد تقدمه ... صلعاء في يافوخها قنف
جرداءُ تشحذ بالبصاق إذا ... دعيت نزال وهبّ ترتدف
أقعت على قيد الذراع شديد الجلز في يافوخه جوف
خاط ممر متنه ضرم ... لاخانه خور ولا قضف
لو أنّ قناصًا تأمله ... نادى بحر الويل يلتهف
وإذا يمسحه لعادته ... ودنا الطراد فمدعس قطف
وإذا أبس به ربًا وثرا ... حتى يكاد لعابه يكف
ياليتني أدري أمنجيتي ... وجناء ناجية بها شدف
من أن تعلقني حبائله ... أو أن يواري هامتي اللحف
ربما أقول لصاحبي خلف ... إيها هديت تحرزن خلف
فلو أنّ بيتك في ذرى علم ... من دون قلّة رأسه شعف
ذلق أعليه وأسفله ... وعلا تنائف بينها قذف
لخشيت جزرك أن يبيتني ... إن لم يكن لي عنك منصرف
وهجا رجلًا كوسجًا يقال له محرز " من الوافر ":
أمحرز ما نظرت إليك إلا ... ذكرت من النساء عجوز لوط
أرى شعرًا بخدك غير حلو ... شبيهًا حين يمشط بالخيوط
فما شيء بأشبه من عجوز ... إذا فكرت من شيخ سنوط
وقال يصف حية " من الوافر ":
يرون الموت دونك إن رأوني ... وصل صفا لنابيه ذباب
من المتطويات بكهف طود ... عرام لا يرام له جناب
1 / 28