Monadología y principios de la naturaleza y la gracia
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
Géneros
17
إنه يقدر الجديد بغير أن يرفض القديم، ويفتش عن الحقيقة بين الآراء المتعارضة ليقوم بدور حمامة السلام بينها! ولا يتحرج أحيانا من تدوين أفكار فلسفية شائعة لإيمانه بأن الحقيقة غالبا ما تكون بسيطة ومشتركة بين الناس، على حين يبدو الزيف في معظم الأحيان في ثوب خداع وضوء خلاب. وهو لا يبتعد عن النظرة الأحادية في القضايا التي يدعو إليها فحسب، بل يتجنبها أيضا في اختياره للموضوعات العلمية التي يتناولها بالبحث. ويكفي أن طموحه لم يقف عند حد، وأن حبه للمعرفة قد تنقل بين موائد المعرفة من القانون، والرياضة، والفيزياء، والجيولوجيا إلى الموسيقى، والفلسفة، واللاهوت، والتاريخ والسياسة دون أن يحيد عن النظرة الشاملة أو ينحرف إلى التظاهر والغرور.
ولهذا كان تفكيره تفكيرا شاملا، بأوسع وأعمق معاني هذه الكلمة.
وما أصدق قول ديدرو (في المجلد الخامس عشر من الأنسيكلوبيديا، طبعة أسيزا، ص440): «عندما ينظر الواحد منا في نفسه، ويقارن مواهبه بمواهب ليبنتز يحس بميل قوي يغريه بأن يقذف بالكتب بعيدا، ويبحث لنفسه عن ركن خفي من العالم يمكنه أن يموت فيه بسلام. كان عقل هذا الرجل عدوا للفوضى، وكانت أعقد المسائل تتسق وتنتظم عندما تدخل فيه. لقد جمع صفتين عظيمتين يندر أن تتفق إحداهما مع الأخرى؛ روح الكشف، وروح المنهج، إلى جانب الدرس الدءوب المتنوع الذي أتاح له معرفة متعددة الأنواع والأشكال، ولم يضعف هذه الصفة أو تلك. لقد كان فيلسوفا ورياضيا، بأعمق ما تحمله هاتان الكلمتان من معنى ...»
18 (ه) الفلسفة الخالدة
19
الفلسفة الخالدة تعبير عن فكرة تحققت في الفلسفة في العصر القديم والوسيط، قبل أن يصك الاصطلاح في القرن السادس عشر على يد أوجستينوس ستويكوس
Augustinus Steuchus . أحد رجال عصر النهضة في إيطاليا. وقد آمن ليبنتز إيمانا قويا بفكرة الفلسفة الخالدة «التي تتخطى السنين»، وتنطوي على عدد من الكشوف الفلسفية التي تلقيناها عن القدماء، ولا زالت جديرة بأن نتأملها، ونحافظ عليها، ونعنى بتمثلها والإفادة منها. وتدل الفكرة في رأيه على التقدم المتصل في مجال المعرفة الفلسفية. وإذا كان الفكر البشري ينتكس في بعض مراحل تطوره، فإن المعرفة الفلسفية لا تنفك تتطور وتزداد عمقا واتساعا، ما بقيت الأجيال اللاحقة تبني على الأسس التي أرستها الأجيال المتقدمة. ليست الحقيقة من صنع إنسان واحد، وما من إنسان يمكنه أن يدعي لنفسه شرف البحث عنها أو الوصول إليها. ومن أنكر جهود غيره على مدى التاريخ فهو أعمى أو أحمق. لقد طالما اجتهد المفكرون في البحث عن الحقيقة، واكتشفوا هذا الملمح أو ذاك من ملامح وجهها الغامض النبيل، وحتى الذين تنكبت فلسفتهم طريق الحقيقة، وضلت سواء السبيل قد شاركوا بصورة غير مباشرة في اهتداء غيرهم إليها. لقد آمن ليبنتز بأن الخير أقوى من الشر، وأن الحقيقة أعظم من الخطأ. وهذه العبارة المشهورة التي قالها في سنة 1714م تشهد على حكمته وحكمة عصره: «إن الحقيقة لأوسع انتشارا مما يظن بعض الناس»، وأولى بالباحث أن يقتفي آثار الحقيقة في نظرية ما من أن يتسرع بإدانتها على أساس الأخطاء التي وجدها فيها. وما من شيء يمكن أن يعبر عن هذه النزعة الحكيمة المتواضعة، كما تعبر عنه الفلسفة الخالدة. فهي تحدد موقف الإنسان من فلسفات الغير، وتحثه على أن يتعلم منها قبل أن يحاول هدمها.
ويصور ليبنتز هذا الاتجاه الذي آمن به بصدق وتواضع في عبارات تستحق أن نقرأها ونقف عندها:
20 «إن مؤلفات الأعلام من رجال العصور القديمة والحديثة بغض النظر عن خصوماتهم الجدلية الحادة مع مخالفتهم في الرأي، تنطوي في معظمها على كثير من الحق والخير، مما يستحق أن يقتبس ويودع كنز المعرفة البشرية. ولو اهتم الناس بالنهوض بهذه المهمة بدلا من تبديد وقتهم في التماس المآخذ والعيوب، لما ضحوا في هذه الحالة إلا بغرورهم وزهوهم! وعلى الرغم من العديد من الكشوف الجديدة التي توصلت إليها، وبلغت من النجاح مبلغا جعل أصدقائي ينصحونني بتكريس جهودي لمثل هذه البحوث، فإنني من جانبي على الأقل أقدر آراء الغير، وأعرف كيف أقيم كل رأي بما يستحق، وإن كنت أفعل هذا بدرجات متفاوتة، وربما كان السبب في هذا أنني تعلمت من نشاطي المتعدد الجوانب ألا أحتقر شيئا على الإطلاق.»
Página desconocida