Monadología y principios de la naturaleza y la gracia
المونادولوجيا والمبادئ العقلية للطبيعة والفضل الإلهي
Géneros
وقد لمسنا هذه المسألة من قبل، ورأينا كيف قبل ليبنتز النزعة الميكانيكية المحدودة، وأصر في نفس الوقت على رفض النزعة الميكانيكية المطلقة! فهو يوافق على أن جميع العمليات الفيزيائية يمكن تفسيرها تفسيرا ميكانيكيا، ولكنه يرى أيضا أن من الممكن الإبقاء على التفسير الغائي الذي وصل إلينا عن الفلسفة القديمة، بل إن هذا التفسير الأخير لا غنى عنه؛ لكي يقوم التفسير الأول على أساس وطيد.
فإذا أردنا بالغائية والميكانيكية أن يكونا تفسيرين متضادين متعارضين للواقع، فإن فلسفة ليبنتز تخرج عنهما جميعا. وقد يكون من الصواب أن نصف تفكيره بأنه تفكير تركيبي أو تأليفي. ومهما قبل عن إخفاقه في الوصول إلى هذا التأليف، فإن ذلك لا يقلل من تأثير فلسفته ولا ينتقص من أصالتها واتساقها. •••
كان ليبنتز عالما في الرياضة، وكان لهذا أثره على فلسفته. فالطابع الذي يسودها طابع رياضي، والمثل الأعلى الذي تهتدي به مثل رياضي، والأحكام والدقة اللذان يمسكان حلقاتها مستمدان من روح التفكير الرياضي. كتب في السابع والعشرين من ديسمبر سنة 694 رسالة إلى الماركيز دي لوسبيتال
Marquis de l’Hospital
يقول فيها هذه العبارة: «إن الميتافيزيقيا عندي رياضية خالصة.»
لقد كان يعتقد أن جميع العلوم التي تتناول حقائق العقل يمكن أن تتطور على نسق العلوم الرياضية، كما كان يتوقع للعلوم التي تنصب على حقائق الواقع أن تلجأ إلى المناهج الرياضية، وتفيد منها إلى أقصى حد ممكن (وقد حققت العلوم التجريبية نبوءته وقطعت معظم العلوم الإنسانية شوطا كبيرا في هذا السبيل).
وجدير بالذكر أنه أثنى على أرسطو؛ لأنه كان في منطقه أول من كتب بأسلوب رياضي خارج حدود العلوم الرياضية، كما تمنى أن يمتد هذا الأسلوب إلى سائر العلوم. بل إنه ليعبر عن اقتناعه بأن تطبيق المنهج الرياضي على العلوم الفلسفية سيضع حدا للخلافات، فتختفي تماما من على مسرح الفلسفة! ولا شك أن تحمس ليبنتز للرياضة قد أدى به - كما أشرنا من قبل - إلى إغفال الحدود التي لا بد أن يقف عندها المنهج الرياضي، كما أن طريقته الرياضية في التفكير قد دفعته في كثير من الأحيان إلى محاولة الإجابة على بعض المشكلات الفلسفية بنفس الدقة التي يلتزم بها الرياضيون، مع أنها في الغالب مشكلات لا حل لها على الإطلاق، وإن وجد هذا الحل، فلا يمكن التوصل إليه عن طريق المنهج الرياضي!
كان ليبنتز مقتنعا بأن جميع العلوم يمكن أن تطبق مناهج الرياضة بدرجات متفاوتة. ولعل هذا الاقتناع أن يكون دليلا على النزعة العامة التي تطبع تفكيره كله؛ ألا وهي نزعة التفاؤل التي سخر منها فولتير. ولا شك أنه كان متأثرا بالمناخ العام الذي ساد عصر التنوير الأوروبي، وإن كان الإنصاف يقتضينا القول بأنه لم يقع فريسة ضيق الأفق والجفاف والفقر الروحي والوجداني الذي غلب على معظم إنتاج هذا العصر، ولكن ثقته المطلقة في قوة العقل الإنساني تدل على تفاؤله. إنه يؤمن بتقدم الفن والفلسفة في الماضي والمستقبل على السواء. وقد ينتكس هذا التقدم المستمر من وقت لآخر، ولكن النظرة الشاملة تثبت أن العقل قد تقدم أكثر مما انتكس، وأن المعرفة البشرية يزداد حظها من الكمال على مر التاريخ .
وتظهر النزعة المتفائلة أيضا في نظرته إلى العالم والمصير. فهذا العالم هو أفضل عالم ممكن. والظلام الذي يختم عليه ليس إلا الوجه الشاحب للنور. والشر والبؤس والتعاسة التي نلقاها فيه ليست شيئا بجانب الخير والرحمة والعدل الذي أفاضته عناية الله علينا. إن أنين المأساة يضيع وسط أنغام التجانس الشامل، والموت نفسه يفقد ثقله وجهامته، ويصبح الشر هو الضريبة الضرورية التي لا بد من أدائها للحرية البشرية، كما تصبح الحرية نفسها جزءا من نظام العالم الراسخ.
لا شك أن التفاؤل العقلي منبع غني تتدفق منه الأفكار الحية، وتربة خصبة تنمو عليها المعرفة البشرية، ولكن الخطر كل الخطر في إضفاء ثوب المثالية على جسد الواقع، والنظر إلى القبح والبؤس والشر بعين الجمال والرضا والبهجة والتسامح. ذلك شيء يعجز الإنسان الذي يصطدم كل لحظة بصخرة الواقع الدامية. وهو على التحقيق شيء لا يقدر عليه إلا كائن فوق الإنسان، أو كائن غير إنساني! وهو في النهاية خطر لم ينجح ليبنتز في تلافيه، ومزلق لم ينج من الوقوع فيه. ولا نزاع في أن تفكيره يكشف من بعض الوجوه عن أحادية النظرة أو لنقل عن شيء من ضيق الأفق. وثقته المطلقة في المنهج الرياضي وتفاؤله المسرف يشهدان على هذا. فنحن نعلم اليوم أن المنهج الرياضي له حدود لا يستطيع أن يتعداها، وأن للواقع مستويات وأبعادا لا يمكنه أن يصل إليها. كما تعلمنا الحياة أن الإسراف في التفاؤل قد يكون نوعا من الغفلة أو السذاجة وحسن النية. ومع ذلك فإن الإنصاف يقتضينا في هذا المجال أيضا أن نقول إن النظرة الأحادية ليست بالطابع الغالب على تفكير ليبنتز. فالواقع أن تفكيره بعيد عن التطرف. وهو يسعى على الدوام إلى التوفيق بين الأضداد في مركب يؤلف بينها ويهتدي في كل آرائه بالحكمة العريقة: الحقيقة في التوسط.
Página desconocida