ولا شك في أن أهل كسروان كانوا حينئذ من الموارنة، وأن سكان الجرد كان أكثرهم وقتئذ من الدروز، ويظهر أن الفريقين كانوا إذ ذاك متفقين ويؤيده هرب الدروز من عين صوفر إلى نيبية التي كانت حينئذ من كسروان، إذ كان تخمه الجنوبي نهر الجمعاني كما يظهر أنه بقيت بقية من الموارنة بكسروان وبعد مدة أخذوا يتقاطرون إلى السكنى فيه.
وفي سنة 1305 أيضا سار جمال الدين آقوش الأخرم بعد فتحه كسروان إلى جبال الظنيين الواقعة بين أطرابلس ودمشق، وكان أهلها عصاة مارقين فظفرت العساكر بهم، وقتلوا وأسروا جميع من بها من النصيرية والظنيين وغيرهم من المارقين.
وفي سنة 1308 استبد سلار نائب السلطنة وبيبرس الجاشنكير بالأمور، ولم يتركا للسلطان الناصر إلا الاسم، فسئمت نفسه هذا التطاول وأتى الكرك مظهرا أنه ماض إلى الحجاز وهو يريد المقام بالكرك، ولما علم الأمراء بذلك اتفقوا على أن يخعلوه وجعلوا بيبرس المذكور سلطانا، وتلقب الملك بالمظفر، وفي سنة 1309 سار بعض الأمراء من مصر إلى حلب، واتفقوا مع نائبها قراسنقر المنصور على خلع الملك المظفر وإعادة الملك الناصر، ووصل إليه بعض المماليك من مصر واستدعاه عسكر دمشق وكاتبه الحلبيون، فسار من الكرك إلى دمشق ودخلها وانهزم آقوش الآخرم نائبها، وقدم إليه النواب من حلب وحماة وصفد فسار بهم إلى مصر، وهرب الملك المظفر إلى الصعيد فقبض عليه الناصر، واسترد منه ما أخذه من الأموال والخيول واعتقله وكان آخر العهد به.
وفي سنة 1310 ولى الناصر أبا الفداء بحماة فرجعت إلى بيتهم الأيوبي، وفيها سير السلطان عسكرا إلى حلب فقبضوا على أستدمر نائبها؛ لريبة السلطان بأمانته، وأرسل إلى مصر، ونصب مكانه قراسنقر نائب دمشق وجعل مكانه آقوش نائب الكرك، واتفق قراسنقر مع مهنا أمير العرب، وأراد أن يستبد بحلب فخالفه أمراء حلب وأرسل إليه السلطان عسكرا، فانهزم إلى مهنا حليفه، وفي سنة 1312 حاول آقوش الأخرم المذكور أن يحدث شقاقا وانضم بعض الدمشقيين إليه، فلم يوافقه أحد من العسكر فهرب إلى قراسنقر عند العرب، وأرادا كبس العسكر فلم يوافقهما أحد وسار عسكر إليهما فهربا إلى ملك التتر.
وفي سنة 1320 أنعم السلطان على أبي الفداء بلقب سلطان، فاستعظمه واستصغر نفسه فندبه السلطان إلى ذلك، وأرسل إليه شعار السلطنة وتوفي أبو الفداء سنة 1331 فولى السلطان ابنه الملك الأفضل محمد، وتوفي السلطان سنة 1340 وخلفه ابنه المنصور وعزل الأفضل عن حماة، وولى مكانه طغرومرد، انقرضت إيالة بني أيوب من حماة بموت الأفضل سنة 1341، وفي سنة 1339 وقعت نار بدمشق في شرقي الجامع الأموي، فاحترق سوق اللبادين والوراقين ثم وقعت مرة أخرى، فأهلكت مالا وخلقا كثيرا واتهم النصارى بذلك فجرى القبض على روسائهم وطوفوهم على الجمال، وسمروا أربعة عشر شخصا منهم، وبلغ ذلك مسامع السلطان فأرسل نائب السلطنة بصفد على تنكز نائب السلطنة بدمشق، وأخذه إلى القاهرة ثم اعتقل بالإسكندرية وتوفي بالسجن، ثم توفي الملك الناصر سنة 1340. (2) في ما كان في أيام أبناء الناصر
بعد وفاة الناصر تعاقب أبناؤه على سرير الملك، وكان الأمراء يقلقون المملكة فبويع أولا ابنه أبو بكر ولقب الملك المنصور، وأقبل على لذاته فخلعه الأمراء وملكوا أخاه كجك ولقبوه الملك الأشرف، واستبد قوصون كبير الأمراء بتدبير الملك فامتعض من ذلك الأمراء بسورية، واعتزموا على إقامة أخيه أحمد وكان واليا بالكرك، وثار الأمراء بمصر على قوصون فنهبوا بيوته وخربوها وقبضوا عليه، ومات في السجن بالإسكندرية، وبايعوا أحمد ولقبوه الملك الناصر، ثم استوحش الأمراء منه ووجس منهم فارتحل إلى الكرك، فاجتمع الأمراء بمصر وخلعوه وبايعوا لأخيه إسماعيل، ولقبوه الملك الصالح، وأرسل العساكر إلى أخيه الناصر فقتلوه سنة 1344، واستبد الصالح بالملك ولكنه توفي سنة 1245، فبويع أخوه زين الدين شعبان ولقب بالملك الكامل، وأرهف في الاستبداد على أهل دولته فرارا من حجرهم عليه، فانتقض عليه الأمراء بمصر والشام وجرد عسكرا إلى الشام، واعتقل أخويه حاجي وحسين بالقلعة فثار عليه الأمراء بمصر فاقتتلوا وانهزم الكامل إلى القلعة، فدخلها الأمراء بعده فاعتقلوه وأخرجوا أخاه حاجي من معتقله وبايعوه ولقبوه الملك المظفر، لكنه استبد فتواعد الأمراء للوثوب عليه، فاستدعاهم إلى القصر وقبض على كل من اتهمه منهم بالخلاف واعتقل جميعهم، وقتل بعضهم وبعث بعضهم إلى الشام فقتلوا في الطريق، وولى مكانهم خمسة عشر أميرا، وأرسل أحد خواصه إلى دمشق فأغرى الناس لقتل اليحياوي أحد هؤلاء الأمراء، فقتل وسكنت الفتنة، ولكن استجدت في مصر فهب المظفر لمناوأة خصومه، فخانه بعض من كان معه فقتلوه سنة 1347.
وأقام الأمراء بعده أخاه حسن ولقبوه الناصر بلقب أبيه، فشرع يستبد على عادة إخوته واستوحش منه أهل دولته، فكبسوه في القلعة واعتقلوه وبايعوا أخاه حسينا، ولقبوه الملك الصالح وثار عليه بعض الأمراء بدمشق، فسار السلطان إليها وأخمد الفتنة، ولكن ثار عليه بعض الأمراء فخلعوه وأعادوا أخاه الناصر الذي كان معتقلا إلى الملك، ولكن ثار عليه بيبقا (ويسمى يلبغا) الذي كان قد أكثر من الإحسان إليه، وجعله نائب السلطنة بدمشق ثم نائبا للسلطنة، فكبس السلطان في خيامه خارجا من داره وتقبض عليه، وكان آخر العهد به، وانتهى به ملك أبناء الناصر سنة 1360.
ومما كان بسورية في أيام هؤلاء السلاطين أن كان سنة 1348 طاعون شديد الوطأة حتى صلي بدمشق على 263 ميتا في يوم واحد، وفي سنة 1355 قصدت بعض مراكب الإفرنج صيدا، وقتلوا جماعة من أهلها وأسروا جماعة وقتل منهم خلق، واجتمعت عليهم العساكر من دمشق وصفد، وأخيرا دفعوا إلى الإفرنج على كل أسير خمسمائة درهم. (3) في ما كان بسورية في أيام باقي الملوك من دولة هؤلاء المماليك
بعد وفاة الملك الناصر نصب بيبقا نائب السلطنة محمد بن المظفر، ولقبه الملك المنصور، وقام بتدبير دولته وانتقض عليه أستدمر نائب دمشق، واستولى على قلعتها فسار إليه بيبقا مع السلطان والعساكر، فاعتصم المخالفون بالقلعة إلى أن أنزلوا بالأمان، وبعث بيبقا بهم إلى الإسكندرية وجعل الأمير عليا المارداني نائبا بدمشق وقطلوبغا الأحمدي نائبا بحلب، وبدا لبيبقا استرابة في الملك المنصور، فخلعه سنة 1362، وأقام مكانه شعبان بن الناصر ولقبه الملك الأشرف وكان عمره عشر سنين، وعزل المارداني من دمشق وولى مكانه منكلي بغا، نقله من حلب إلى دمشق، فولى مكانه عشقتمر المارداني، وفي سنة 1365 غزا بطرس لوسنيان ملك قبرس الإسكندرية بمعاونة جمهورية البندقية وفرسان رودس، فملكوا الإسكندرية ونهبوها وخافوا مهاجمة عسكر مصر لهم فأحرقوا المدينة، وارتحلوا عنها واستحوذوا بعد مدة على أطرابلس وأحرقوها، وكذلك صنعوا بطرطوس واللاذقية، ولم يكن نفع من هذه الحملة سوى إثارة حنق المسلمين على النصارى، وهادن الملك الأشرف الإفرنج على إطلاق الأسرى من الفريقين، وعلى إعطاء ملك قبرس النصف من دخل المكوس بصور وبيروت وأورشليم، وعلى إباحة الإفرنج الحج إلى القدس، وتجديد كنيسة القبر المقدس، وكنيسة بيت لحم والناصرة، لكن الأشرف أخلف وعده بعد مدة يسيرة.
وطال استبداد بيبقا مدبر السلطنة، وثقلت وطأته على الأمراء فتشاوروا في نكبته ونما الخبر إليه، فخلع الأشرف ونصب أخاه توك ولقبه الملك المنصور فاجتمعت العساكر على الأشرف، وهاجموا الخونة فانفض أصحاب بيبقا عنه فولى منهزما، ثم استحضر فقطع بعضهم رأسه وانتقض الأمراء مرات على الأشرف، فقهرهم واستبد بملكه وأذعن الناس لطاعته، لكنه خرج إلى الحج سنة 1374 فانتقض عليه بعض مماليكه، واضطر إلى العود إلى القاهرة فثار عليه بعض الأمراء، فأرغم على الفرار والاختباء في بيت استخرجوه منه وقتلوه خنقا سنة 1376.
Página desconocida