وبعد مقتل الأشرف بايع الأمراء ابنه عليا ولقبوه الملك المنصور، وقام بالدولة قرطاي الطازي فقبض عليه أيبك البدري الغزي وسيره إلى صفد، واستبد أيبك بالدولة ثم انتقض طشتمر بدمشق ووافقه بعض الأمراء، فسار أيبك مع السلطان والعساكر إلى الشام، فثار الأمراء في مقدمة الجيش على أخيه فرجع إليه منهزما، فعاد أيبك إلى القلعة بالقاهرة فخرج عليه جماعة من الأمراء، فتوارى ثم قبض عليه وأرسل إلى الإسكندرية، وأقام الأمراء بيبقا الناطري مكانه ولم يخلصوا له الطاعة، وكثر تغلبهم إلى أن قام بالدولة الأمير برقوق وتوفي السلطان المنصور سنة 1381، فاتفق برقوق والأمراء على نصب أخيه الأمير حاج، ولقبوه الملك الصالح وجمع برقوق سنة 1383 الخاصة والعامة من الجند والقضاة والعلماء، فأجمعوا على مبايعة برقوق وعزل السلطان الصالح، وأرسلوا أميرين أخذا السيف من يده وأحضراه إلى برقوق، ولبس شعار السلطنة وخلعة الخلافة، ولقب الملك الظاهر فكان الصالح آخر ملوك دولة المماليك البحرية، وابتدأ ملكهم بمصر سنة 1255 وبمصر وسورية معا سنة 1262، وانقرضت دولتهم سنة 1382 بخلع الملك الصالح وتمليك برقوق أول ملوك دولة المماليك الجراكسة؛ لأن أصلهم من الجركس. (4) في الملك الظاهر برقوق وما كان في أيامه
برقوق مملوك من الجركس ملكه بيبقا المذكور، وتراقى بالمناصب إلى أن قام بالدولة في أيام السلطان المنصور، ثم استبد بالملك كما مر وفي أول ملكه أي: سنة 1382 حضر أسطول من جنوا إلى صيدا فأخذوها وجاءوا إلى بيروت، ونزل جماعة منهم إلى المدينة، فقاومهم المسلمون وقتلوا منهم كثيرين وقتل وجرح بعض المسلمين وانصرف الإفرنج، وكان بين الملك الظاهر وبين الأمراء منازعات وتقلبات لا محل لتفصيلها في هذا الموجز فنلخص شيئا منها أن بيبقا الناصري كان السلطان قد ولاه على حلب، ثم سخط عليه وأرسله إلى الحبس بالإسكندرية، ثم أفرج عنه فسار إلى حلب وهم بالانتقاض على السلطان، واجتمع بعض الأمراء إليه واعصوصبوا وخلعوا الطاعة، ونهضوا بجموعهم إلى دمشق، وأرسل السلطان عسكرا لردعهم فانتصروا عليه ودخلوا دمشق، ثم ساروا إلى مصر، واستأمن أكثر الأمراء إلى الناصري فدس السلطان إلى الناصري بالصلح، فأشار عليه أن يتوارى بشخصه مخافة أن يصيبه أحد بسوء، فخرج السلطان متنكرا ودعا الأمراء أمير حاج بن الأشرف، فأعادوه إلى التخت ولقبوه الملك المنصور، وأبعدوا الناصر إلى الكرك، وشعر بأن بعض الأمراء يريد اغتياله، فأرسل رجاله في الكرك، فضوى إليهم جماعة من أهلها وقتلوا البريدي الذي كان بقلعتها وملكها برقوق، وتسارع إليه مماليكه من كل جهة فسار من الكرك إلى دمشق، فأرسل جنتمر نائبها العساكر لدفاعه فكانت وقعة انهزم به الدمشقيون، وقتل الكثيرون منهم واتبعهم برقوق إلى دمشق وحاصرها ونجده كمشتيقا نائب حلب، وبلغ الخبر إلى منطاش مدبر مملكة الملك المنصور بمصر، فجمع العساكر وأخرج الملك والخليفة والقضاة والعلماء، وساروا نحو دمشق فالتقاهم الظاهر واتقعوا، فقبض الظاهر برقوق على الملك المنصور والخليفة والقضاة، وهزم منطاش وجموعه وحمل المنصور على التبري من الملك، وشهد عليه الخليفة والقضاة بالخلع وعاد الملك الظاهر إلى عرشه، وسار إلى مصر فدخل القاهرة سنة 1390 وقلده الخليفة الملك.
أما منطاش فاستمر بسورية عازما على الانتقاض وأرسل إيمازتمر نائبا إلى حلب، فحاصر كمشتيقا نائبها من قبل السلطان، وأرسل عسكرا إلى أطرابلس فحاصروها وملكوها، وشرع منطاش يفتك بالمنتمين إلى السلطان فأرسل إليه السلطان عسكرا من مصر، فهرب من دمشق ولحق بيعبر أمير العرب آل فضل، وبلغ خبر فراره إلى إيمازتمر الذي كان قد أرسله لحصار حلب، فلحق به وأخذ مماليك السلطان أطرابلس من قشتمر الأشرفي الذي كان منطاش قد ولاه عليها، وكان السلطان قد ولى ابن الجوباني على دمشق، فسار بعسكر إلى يعبر أمير العرب يطلب إخراج منطاش من أحيائهم فأبوا، فكانت بين الفريقين حرب شديدة انهزم بها العرب، ولكن انفرد ابن الجوباني عن عسكره فأسره العرب وقتله أميرهم، وسار منطاش ويعبر فحاصرا حلب وفيها كمشيقا الحموي نائب السلطان ، فراسله يعبر بالطاعة والسلطان فأجابه السلطان إلى ذلك ودرى منطاش، فارتحل ولحق بالتركمان بمرعش، وسار إلى عنتاب فملكها وقتل جماعة من أهلها، وجاءت العساكر من حلب وحماة وصفد، فهرب إلى بلاد الروم واستمر شريدا إلى سنة 1391، ثم قصد دمشق فانهزم من وجهه نائب حماة، فدخلها منطاش وسار منها إلى حمص ثم إلى بعلبك، وخرج إليه الناصري والي دمشق في العساكر على طريق الزبداني، فسار هو بطريق آخر وبلغ دمشق، فعاد إليه الناصري واقتتل الفريقان مدة شهرين، فسار السلطان من مصر بالعساكر فهرب منطاش من دمشق، ووفد إلى السلطان آل مهنا وآل عيسى من العرب مجاهرين بالطاعة له، وسار السلطان إلى حلب فأتاه الخبر أن منطاش مر ببلاد ماردين وقاتلته بعض العساكر هناك، فلجأ إلى أحد أمراء التركمان يسمى سالم، فقبض عليه وأرسل السلطان يطلبه ففر إلى سنجار ثم عاد إلى يعبر أمير العرب، وأقام في أحيائهم وتزوج بنتا منهم وعبر الفرات إلى نواحي حلب، وأوقعت به العساكر وأسروا جماعة من أصحابه، ونكلوا بالعرب حتى أجبروهم أن يقبضوا على منطاش، ويسلموه إلى نائب حلب، وأرسل السلطان أميرا من القاهرة، فأخذ رأس منطاش وطاف به في ممالك الشام وعلق على باب القلعة بالقاهرة سنة 1393.
وفي السنة المذكورة فر أحمد بن أديس صاحب بغداد إلى الملك الظاهر مستنجدا له على تيمور لنك التتري، الذي كان قد ملك أكثر البلاد الشمالية، فأجابه السلطان إلى ذلك وسار بعسكره إلى سورية وأقام عساكره على تخومها، وبدا لتيمور لنك أن يقصد الهند فقصدها، وشغل بتدويخها مدة فعاد السلطان إلى مصر ولا نعلم من أخباره الهامة بعد ذلك إلا ورود رسالة تيمور لنك إليه سنة 1398، وبها يهدده وجواب الظاهر إليه مزدريا به، والرسالة وجوابها مشهوران، وقد توفي الملك الظاهر في أثناء ذلك سنة 1398، وخلفه ابنه عبد العزيز ولقب الملك المنصور لكنه خلع بعيد ذلك وبويع أخوه زين الدين فرج، ولقبوه الملك الناصر، وفي سنة 1400 بلغ تيمور لنك إلى حلب، ونرجئ الكلام في حملته إلى تاريخ القرن الخامس عشر . (5) في المشاهير السوريين في القرن الرابع عشر
ابن منظور:
هو محمد بن علي الأنصاري الرويفعي ولد سنة 1231 وتوفي سنة 1311 ولي نظر أطرابلس وله النظم والنثر، وأعظم مؤلفاته لسان العرب وهو من أشهر المعجمات العربية طبع ببولاق سنة 1308ه، وله كتاب نشاد الأزهار في الليل والنهار تكلم فيه على الليل والنهار، والاعتباق والاصطباح إلخ، ومنهم فخر الدين الحموي قاضي حلب توفي سنة 1330، وله شرح على كتاب الحاوي في الفقه في ستة مجلدات، ثم شمس الدين الدمشقي، توفي سنة 1328 له كتاب سماه نخبة الدهر في عجائب البر والبحر طبع ببطرسبرج سنة 1866.
الملك المؤيد إسماعيل أبو الفداء:
هو ابن الملك الأفضل صاحب حماة من البيت الأيوبي، ولي حماة سنة 1320، وتوفي سنة 1331، وكان ضليعا بالعلوم كالطلب والفقه والفلسفة والتاريخ والجغرافية وله شعر حسن، وله من التآليف تاريخه المشهور، وقد طبع بالقسطنطينية في أربعة أجزاء سنة 1286ه، وتقويم البلدان في الجغرافية، وقد طبع ببريس سنة 1837، ووصف جغرافية مصر وقد طبع في غوتنغن سنة 1776، وكتاب الموازين إلى غيرها.
هبة الله الحموي:
توفي سنة 1337، ومن مصنفاته في التفسير كتاب البستان في تفسير القرآن مجلدان، وكتاب روضات جنات المحبين اثنا عشر مجلدا، وفي الحديث كتاب المجتبى مختصر جامع الأصول، وكتاب الوفا في أحاديث المصطفى، وكتاب المجرد من السند، وكتاب المنضد شرح المجرد في أربعة مجلدات، وشرح الحاوي المسمى إظهار الفتاوي من أعوار الحاوي، وتيسير الفتاوي في تحرير الحاوي وهما أشهر تصانيفه، وشرح نظم الحاوي أربعة مجلدات وكتاب المغني مختصر التنبيه، وكتاب تمييز التعجيز إلى غير ذلك.
Página desconocida