وأفقت على صوت ... صوت ضعيف خائر، ولكنه صوت دافئ. سمعته يقول: لا تبكي يا دكتورة، أنا بخير.
وفتحت عيني ونظرت إليه، فرأيت على وجهه ابتسامة ... ابتسامة هادئة واهنة، ولكنها تحمل في ثناياها العطف والحنان.
كأنما هو الذي يحنو علي، كأنما هو الذي يريد أن يأخذ بيدي ويعطيني من عنده، كأنما هو الذي يملك العلم والصحة والقوة وأنا لا أملك شيئا، كأنما تضاءلت علة الجسد إلى جوار علة الروح، فأحس أنه الطبيب وأنا المريضة.
لم أكن أتخيل في تلك اللحظة التي فقدت فيها إيماني بالإنسان، وأيقنت أن فقاعة هواء أقوى منه ومن حياته، أنني سأعود أومن به من جديد!
لم أتخيل أنني أفقد إيماني بالإنسان وأنا وسط المدينة الباهرة بحضارتها ومبانيها وطائراتها وصواريخها، ثم أعود أومن به في كهف مظلم!
لم أتخيل أنني أفقد إيماني بالإنسان وأنا بين أساتذة الطب وأئمة العلم، ثم أعود فأومن به على يد رجل ريفي عجوز مريض، لا يملك إلا جلبابه وابتسامته!
ابتسامة صغيرة انفرجت عنها شفتان يابستان، ولكنها كانت تحمل في طياتها معنى الحياة بأسرها؛ ذلك المعنى الذي يضيع من الناس في الزحام، ذلك المعنى الذي يضل عنه العلم وسط ضجيج الآلات، ويقصر عن تفسيره العقل ... الحب.
حب الحياة بكل ما فيها من لذة وألم، من صحة ومرض، من مجهول ومعلوم، من بداية ونهاية.
الحب؟!
خفق قلبي للكلمة الجديدة، وسرت الرجفة في أوصالي، ودب الحنين في جسدي واندلع اللهيب في قلبي. •••
Página desconocida