ووقفت أمام المريض كالمشدوهة، عيناي مشدودتان إلى عينيه، وأذناي مرهفتان تلتقطان همسات أنينه الخافت، وروحي خرساء ترقب مشهد عذاب الإنسانية العجيب، وعقلي صامت متوقف يستوعب معنى الحياة الجديد.
ووضعت يدي على قلبي، وأسندت رأسي إلى الحائط.
شيء في العينين الفاترتين اليائستين يجعل قلبي يتمزق، شيء في الأنين الخافت يجعل نفسي تخور، شيء غريب لم أعرفه من قبل، لم أحسه، لم أعانيه.
الألم؟! نعم الألم.
لأول مرة في حياتي أتألم؛ شعور أليم، ولكنه عميق ... عميق، نفذ إلى طبقات نفسي البعيدة حتى بلغ مجال اللذة.
تألمت ولكني شعرت بلذة الألم، شعرت بلذة إنسانيتي وهي تمارس إمكانياتها المعطلة وتستكشف أبعادها المجهولة.
وكأنما شرب كياني إحساسي باللذة عن آخره، وكأنما امتصت روحي إحساسي بالألم كله، فأحسست بدوار شديد وتهاويت على مقعد إلى جواري وأغمضت عيني ... و... وبكيت ... بكيت كما لم أبك أبدا، كأنما لم تعرف عيناي الدموع.
انهمرت دموعي الساخنة المكبوتة كسيل عاصف كاسح، وتركت العنان لدموعي، لم أحاول أن أقف في طريقها.
فلأبك كما تشاء عيوني، ولأغسل عقلي من ذلك الغبار الكثيف الذي تراكم عليه، ولأزح عن قلبي تلك الغشاوة المعتمة العازلة، ولأطلق سراح روحي من قلب تلك الزنزانة الحديدية القاتلة.
واستسلمت للألم.
Página desconocida