وترابها- بقايا قلب محطوم، بقايا دامية حزينة شاكية، ولسمعت نشيجها. ما تصدّع هذا القلب من هجر الحبيب ولا هدّته أحداث الغرام، ولكن عصفت به عاصفة من موت الأم فهدّت أركانه، فاسكبْ على بقاياه قطرةً من الدمع تَحْيَ بها ساعة، أو قل كلمة تسعد بها روحه الحزينة. ثم توجه إلى القبر المحبوب، إلى قبر أمي وأبي أيها الصديق المجهول، فاسأل الله لساكنَيه الرحمة والغفران، فما بقي لي بعدهم أحباء ولا بعدهم دنيا.
لقد تركت تحت أقدامك قلبي وحبي يا أيها المحسن المجهول، فارفق بهما. أسعِدْ هذا اليتيم الضعيف، وإن كان الناس يدعونه شيخًا.
ربِّ، رحمة لهذا اليتيم الضعيف، ابن الثلاثين!
«ربِّ اغفرْ لي ولوالديَّ، ربِّ ارحمهما كما ربّياني صغيرًا» (١).
* * *
_________
(١) لم يذكر جدي أمه يومًا إلا وفاضت عيناه حزنًا عليها واشتياقًا إليها؛ رأيته كذلك مرات ومرات وقد مضى على وفاتها أربعون سنة وخمسون وستون! ولسوف ترونه يذكرها -في هذا الكتاب- في مقالة هنا ومقالة هناك، فلا يذكرها إلا بالدمع والأسى. أما قصة رحيلها فواحدة من «لوحات» علي الطنطاوي الأدبية العظيمة التي امتزجت فيها بالأدب الرفيع العاطفةُ النبيلة والمشاعرُ الصادقة، فلا يملك أن يقرأها قارئٌ إلا ويشاركه وجيبَ القلب ودمعَ العين. انظر: «ذكريات علي الطنطاوي» الجزء الثاني، صفحة ١٣٠ وما بعدها (مجاهد).
1 / 43