وكذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قد جاز بالصبر حد الفرض وبلغ من صبره بأن احتمل ما لم يحتمله غيره، وبذل من نفسه ما لم يكلفه، وستذكر تفسيره في موضعه إن شاء الله.
قلنا: فأسلم أبو بكر غنيا شكورا، وأسلم علي بن أبي طالب رحمه الله فقيرا صبورا، فأنى يكون أبو بكر في إنفاقه المال مقدما؟!.
على أن بينهما فرقا لطيفا يوجب للصابر ما للشاكر، ولا يوجب للشاكر ما للصابر لأنه قد يقال للصابر على البلاء: احمد الله واشكره على ما ابتلاك به، ولا يقال لصاحب العافية: احمد الله واصبر على الغنى والعافية.
وبمثل هذا قد يفرق بين الأنصاري والمهاجري، إن معنى الأنصاري قد دخل في فعل المهاجري بالنصرة لله والرسول صلى الله عليه وسلم، فالنصرة لله ورسوله داخل (1) في فعل المهاجري، والهجرة لا تدخل في فعل الأنصاري، [و] لذلك فإن المهاجرين أفضل من الأنصار وأرفع منزلة.
ففضل إسلام علي مع فقره على أبي بكر مع غناه كفضل المهاجرين على الأنصار لأن محنة الفقراء أعظم من محنة الأغنياء، كما أن محنة الهجرة أعظم من غيرها، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ممتحنا.
فأسلم علي بن أبي طالب مع فقره، ونابذ قومه مع فاقته، وخلع الدنيا [عن نفسه] مع حداثته وحاجته، وكثرة دواعيه ونوازعه، فقمع الشهوة بصحة العزيمة، وأزال الوحشة بالانقطاع إلى الله، واعتصم بالتقوى، وتقوى بالتوكل (2) وفارق القرابة، واستبدل بها الأنس بالله، وكابد المشقة بحسن الفكرة، واستعمل الصبر بيقين القلب.
قلنا: فالفقر محنة عظيمة قد افتتن بها الخلق عامة، وهتكت ستر اكثر الخاصة،
Página 77