Muerte del único hombre en la Tierra
موت الرجل الوحيد على الأرض
Géneros
رد حمزاوي في ضعف: أنت حرة يا فتحية. اذهبي معه أو ابقي هنا. أنا لم أعد أريد شيئا من حياتي سوى أن يتركني الناس وحدي.
قالت فتحية وهي تمسح دموعها: لا أريد أن أتركك وحدك يا حمزاوي، لكن الناس لن تسكت عنا. كل مصيبة تقع في البلد يتصورون أن سببها هذا الطفل الصغير البريء. مال الطفل ومال الدودة يا حمزاوي؟ هل الطفل هو الذي قال للدودة كلي المحصول؟ إن عقل الجواميس أفضل من عقل الناس هنا في كفر الطين. ولكن إلى أين أذهب وأنا لا أعرف بلدا آخر غير كفر الطين؟
نسيت فتحية هذا التساؤل بعد بضعة أيام. سكت عنهم الناس، فظنت أنهم نسوا كل شيء عنهم، أو اكتفوا بما فعلوه بالشيخ حمزاوي. وربما كان من الممكن أن ينساهم الناس تماما لولا أن الهواء اشتد في يوم من الأيام، مطيرا إحدى الشرارات من أحد الأفران حيث جلست إحدى النساء تخبز؛ طارت الشرارة الصغيرة، بحجم رأس عود الكبريت أو أصغر قليلا، وكان من الممكن أن تنطفئ وحدها لو أنها سقطت على الأرض الترابية، لكنها لم تسقط على الأرض، طيرها الهواء فوق أحد السطوح، واستقرت قبل أن تنطفئ تماما بين أعواد القش الجافة. لو هب الهواء في تلك اللحظة لأطفأها قبل أن تمسك بالقش، لكن الهواء سكت لحظة، وفي هذه اللحظة أمسكت الشرارة بعود القش، وحينما هب الهواء مرة أخرى لم يطفئ الشرارة؛ لأنها لم تعد شرارة، وإنما أصبحت عودا طويلا مشتعلا، سرعان ما أمسك بالأعواد الأخرى المجاورة. وزحفت النار إلى أقراص الجلة ثم إلى الحطب ثم إلى أطراف القش المتدلية من الأسطح المجاورة.
رأى الناس النار فوق الأسطح، فلطمت النساء وصرخ الأطفال وجرى الرجال بعضهم حول البعض لا يعرفون ماذا يفعلون. صرخ فيهم حلاق الصحة قائلا: «جرادل ماء يا بهائم!» وراح يلقيها على النار، لكنها كانت تفرغ ماءها قبل أن تصل إلى النار؛ أخذ كل منهم يعد عياله، أو يخرج من بيته جاموسته أو حمارته، أو تحويشة العمر من حفرة في الجدار.
شيخ الخفر جرى إلى بيت العمدة الذي كان قد أبلغ عن الحريق بالتليفون. وجاءت سيارة الحريق الحمراء بأجراسها ومن خلفها سيارة الإسعاف، وكان الأطفال قد شبعوا من منظر النار الحمراء فوق الأسطح، وانجذبت عيونهم إلى سيارة الحريق الحمراء الضخمة، وذلك السلم الطويل الذي يمكن أن يصعد إلى السماء. وما إن استقرت السيارة على الأرض حتى حوطها الأطفال من كل جانب، أردافهم عارية، وأقدامهم حافية، وأنوفهم تسيل، والذباب فوق وجوههم الشاحبة النحيلة كالدمامل السوداء بغير عدد.
قبل أن يهبط قرص الشمس ناحية الغرب وراء رءوس الأشجار من خلف النيل، كان كل شيء في كفر الطين يعود إلى ما كان عليه، فيما عدا أن بضعة أسطح أصبحت عارية يغطيها رماد أسود، وطفل رضيع اختنق بالدخان وهو نائم، وأطراف بعض النوافذ الخشبية احترقت أو اسودت. والسيارة الضخمة الحمراء لم تترك إلا آثار عجلاتها على الأرض المتربة؛ تلك الآثار التي سرعان ما تلاشت هي الأخرى تحت أقدام الجاموس والبقر والفلاحين العائدين من الحقول.
لم تغمض فتحية عينيها ولم تفك ذراعيها من حول الطفل؛ أدركت بالغريزة الخطر المحدق بهما، وألصقت أذنها من وراء الجدار تتسمع ما يقوله الناس، تكاد تعرف ما الذي سيقولونه ، والتقطت أذنها الكلمات، تماما كما توقعت: «النار كانت ستأكل البلد لولا ستر الله. منذ جاء ابن الحرام والمصائب تتوالى علينا! لن نسكت بعد الآن.»
دق قلبها تحت قلب الطفل الذي تخفيه في صدرها تحت الطرحة، وفتحت الباب بهدوء حتى لا يسمع صريره أحد من الجيران. جرت على أطراف أصابعها وكادت تصل إلى الجسر. لكن العيون لمحتها، وحاصرتها من كل ناحية. توقفت لحظة تلتقط أنفاسها. سمعت الصوت يقول بغضب: أين الطفل يا فتحية؟
خبأت الطفل في صدرها وقالت: ليس معي. إنه نائم في الدار.
استدارت بسرعة لتسير في طريقها، لكن الأصوات اقتربت منها، ووقع الأقدام الكثيرة أصبح خلفها.
Página desconocida