الحادث عشر : أن قول القائل: فساد الثلث في صلاح الثلثين يقتضي انه يجوز الاقدام على علم فساد الثلث لإصلاح الثلثين، وهذه أيضا فتوى خارجة عن الدين،(¬2)والدليل عليه، قوله تعالى: "لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم "فدل أن هذا الفساد والإصابة في القليل من المومنين أن وقعت في قتال الكفار، فإنها تقع بغير علم، ومع ذلك حمى الله الكفار ومنعهم، لئلا يصاب معهم العدد القليل على غير علم ممن أصابه، فكيف يجوز للمومن الذي يخاف ربه أن يطلق لسانه: " لابأس بإفساد الثلث في صلاح الثلثين" إطلاقا؟. يقتضي أن إفساد الثلث المعلوم للمفسد في إصلاح الثلثين لا بأس به.(¬3) الثاني عشر: أن قول القائل: لا بأس بإفساد الثلث في صلاح الثلثين يقتضي جواز القصد إلى ذلك، والآية رد عليه، لأن الله تعالى حمى الكافرين لأجل مافيهم من العدد القليل من المؤمنين، اتقاء أن يخطئ مخطئ بقتلهم، أو يقتل أحدا منهم على وجه الخطأ لا على وجه العمد، فإذا كانت هذه المصلحة العظمى من قتل الكفار وصلاح الإسلام والمسلمين حمى الكافر معها، خشية أن يصاب المؤمن خطأ، فكيف يستجيز المؤمن أن يبيح إصابة مؤمن عمدا لصلاح غيره، أو يطلق هذه العبارة التي تقتضي ذلك؟(¬1).
الثالث عشر: أن الآية صريحة في سد الذرائع. فتجنب المصلحة المحققة في الكثير خشية مفسدة متوهمة في القليل، هو أصل محقق عند مالك لم يختلف عنه فيه، والإجماع على أنه مذهبه، فكيف يليق (25=196/ب) هذا بمن خاف الله ووقر العلماء، وهو يعلم من مذهب مالك رحمه الله سد الذرائع على هذا النحو، ثم ينقل عنه فساد الثلث في صلاح الثلثين؟(¬2).
الرابع عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين، أن كانت مصلحتهم في تعذيب من كان من الكافرين بمكة، والنبي صلى الله عليه وسلم يرجع بأمته وأضعافهم، فإذا كان الله عز وجل قد حمى الكافرين خشية أن يخطئ المسلمون فيصيبوا مسلما، ولو كان في ذلك مصلحة النبي صلى الله عليه وسلم، عن جلالة قدره ورفعة شأنه، فتصير نسبة ذلك القليل بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم قريبا من العدم، فكيف يصوغ لمومن بعد هذا أن يقول بفساد الثلث في صلاح الثلثين؟.
الخامس عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه يومئذ عترته الاكرمون، والخلفاء الراشدون، وبقية العشرة، وجميع من بايع تحت الشجرة وأهل بدر وأحد، وماعسى أن تكون نسبة من بمكة من ضعفاء المؤمنين إلى إبي بكر الصديق رضي الله عنه وحده الذي رجح إيمانه بإيمان الجميع، فضلا عمن سواه معه.
Página 148