قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ ١. والكتاب اسم للقرآن بالضرورة والاتفاق، فإنهم أو بعضهم يفرقون بين كتاب الله وكلامه. ولفظ الكتاب يراد به المكتوب فيه، فيكون هو الكلام، ويراد به ما يكتب فيه، كقوله: ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ ٢ وقوله: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ ٣ وقوله: ﴿يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ ٤ إخبار مستشهد بهم، فمن لم يقر به منا فهم خير منه من هذا الوجه. وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره أنه أنزل في ليلة القدر إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ولا ينافي أنه مكتوب في اللوح قبل نزوله، سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبرائيل أو بعده؛ فإذا أنزله جملة إلى بيت العزة فقد كتبه كله قبل أن ينزله، والله يعلم ما كان، وما يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون. وهو قد كتب المقادير وأعمال العباد قبل أن يعملوها، ثم يأمر بكتابتها بعد أن يعملوها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة والمتأخرة، فلا يكون بينهما تفاوت، هكذا قال ابن عباس وغيره. فإذا كان ما يخلقه بائنا عنه قد كتبه قبل أن يخلقه، فكيف لا يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أن يرسلهم؟ ومن قال إن جبرائيل أخذه عن الكتاب لم يسمعه من الله فهو باطل من وجوه:
منها أنه سبحانه كتب التوراة لموسى بيده، فبنو إسرائيل أخذوا كلامه من الكتاب الذي كتبه، ومحمد عن جبرائيل عن الكتاب، فهم أعلى
_________
١ سورة الأنعام آية: ١١٤.
٢ سورة الواقعة آية: ٧٨.
٣ سورة الإسراء آية: ١٣.
٤ سورة الأنعام آية: ١١٤.
1 / 74