بالجنون والعظائم التي هم أولى بها منهم. قال الحسن: لقد رأيت رجالا لو رأيتموهم لقلتم مجانين، ولو رأوكم لقالوا هؤلاء شياطين، ولو رأوا أخياركم لقالوا هؤلاء لا خلاق لهم، ولو رأوا شراركم لقالوا هؤلاء قوم لا يؤمنون بيوم الحساب. وهذا كثير في كلام السلف يصفون أهل زمانهم وما هم عليه - من مخالفة - من تقدم، فما الظن بأهل زماننا؟! والذين لم يفهموا هذا قالوا الباء زائدة، قاله ابن قتيبة وغيره، وهذا كثير كقوله: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾ ١، ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ ٢ الآيات، ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ ٣ الآية.
ومنها قوله: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ﴾ ٤ الآية وما في معناها: التحقيق أن الله سبحانه إنما يصطفي لرسالته من كان خيار قومه حسنا في النسب، كما في حديث هرقل: من نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه نقص إذا كان على مثل دينهم إذا كان معروفا بالصدق والأمانة، وفعل ما يعرفون وجوبه وترك ما يعرفون قبحه، قال تعالى ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ ٥، فلم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب، وليس في هذا ما ينفي عن القبول منهم، ولهذا لم يذكره أحد من المشركين قادحا. وقد اتفقوا على جواز بعثة رسول لا يعرف ما جاءت به الرسل قبله من النبوة والشرائع، وإن من لم يقر بذلك بعد الرسالة فهو كافر،
_________
١ سورة آية: ٢٦.
٢ سورة الشعراء آية: ٢٢١.
٣ سورة آية: ٣٨-٣٩.
٤ سورة الأعراف آية: ٨٨.
٥ سورة الإسراء آية: ١٥.
1 / 65