19- المؤامرة على تراث اليمن الفكري
الأمة- العدد (39).
بقلم محمد المنصور
ما تعرضت له مكتبة الجامع الكبير بصنعاء الثلاثاء الماضي، وما تتعرض له آثار اليمن ومخطوطاتها وقبابها، ومساجدها التاريخية ومعالمها التاريخية القديمة _حميرية- سبأية- قتبانية-...إلخ) من تدمير ونهب وضياع وتشويه يؤكد على حقيقة وجود خطة معادية تنفذ بأيادي يمنية، وبجهل وتجاهل القائمين على الأمر في الدولة والحكومة، تلك الخطة بهدف إفراغ اليمن من محتواها التاريخي والفكري، تزامنا مع انتهاب أراضيها وثرواتها، واستقلال القرار فيها، وطمس وتشويه الهوية اليمنية بالإفكار والتيارات المتطرفة تحت كل مسمى، إفراغ الشخصية اليمنية من مضمونها التاريخي والوطني والإسلامي، وتتزامن عملية نهب وتهريب المخطوطات والآثار الرائجة حاليا باعتراف المسؤلين الرسميين، مع الإخفاق البين والواضح للجهات الرسمية والشعبية قي حفظ وصيانة واسترداد الآثار والمخطوطات أسوة بالدول العربية وغير العربية الحريصة على تراثها، فقد استردت مصر ثروة أثرية نادرة من فرنسا عبر الانتربول الدولي مؤخرا.. أما في اليمن فأمر الثقافة والمخطوطات والآثار لا يعني أحدا فالكل يتعاون في نهبها أو إخفائها أو بيعها، أو إهدائها، أو حتى إحراقها.
والملاحظ مؤخرا أنه مع انتشار سرقة المخطوطات القديمة ونشاط تجار الآثار والمخطوطات الملحوظ في المناطق المختلفة من اليمن لا سيما زبيد، وحضرموت، وتعز، وصعدة، وذمار، وحجة، وشهارة، وصنعاء، حيث تتركز هجر ومعاقل العلم التاريخية في اليمن التي ينظر إليها الآن شزرا من قبل قطاع عريض من المعنيين والمتعصبين، والمتطرفين على حدسواء، حيث يعتبرون تراث الفكر الزيدي والشافعي والإسماعيلي (مخطوطات نادرة وآثار وشخصيات) عبئا يجب التخلص منه، أو اغتنام فائدة بيعه لجهات في الخليج العربي وأوربا التي تثمن جيدا قيمته العلمية والتاريخية والفكرية النادرة، وهكذا يتم تغريب التراث اليمني والآثار اليمنية.
وتشهد مناطق المحويت ومأرب والجوف وشبوه وغيرها عمليات نبش المواقع الأثرية وسرقتها بحثا عن الربح السريع، حيث تباع التماثيل والقطع الأثرية بأبخس الأثمان للسماسرة والوسطاء والسواح، علما بأن الهيئة العامة للآثار تتباطأ في شراء القطع الأثرية من المواطنين، إما بحجة عدم وجود مخصصات مالية أو بالاجراءات الروتينية الطويلة والمعقدة التي يعانيها المواطنون في مثل تلك الحالات، إضافة إلى حقيقة بقاء أو ضياع مثل تلك اللقى والقطع الأثرية في أدراج موظفي الهيئة العامة للآثار ودور الكتب التي تعرضت للسرقة المتكررة، دون معرفة الرأي العام بالعصابة الإجرامية التي أقدمت على مثل تلك الأفعال التي تكررت في المتحف الوطني بصنعاء وآخرها قبل شهور، وأفرج عن المتهمين في تلك القضايا كما في قضية تهريب المخطوطات عبر (حرض) العام الماضي.
ولعل دلالة سرقة الجامع الكبير أكبر من كونها سرقة عادية، فهي موجهة لرمز ديني وثقافي هو الأهم في تاريخ اليمن الإسلامي، واستهداف واضح يتكرر بين الحين والآخر للعقل اليمني والعربي والإسلامي، وللقيم الدينية والفكرية والوطنية والثقافية التي تمثلها المخطوطات، والمسودات التاريخية لأراضي أوقاف اليمن التي يتم حاليا الإجهاز على ما تبقى منها، سواء عن طريق البسط والسيطرة المباشرة أو غير المباشرة، وبالتالي حرمان الوقف من عائدات تشكل دعامة اقتصادية، وموردا ماليا هاما يرتبط بدوره بحياة الأجيال ويلبي إرادات ووصايا الواقفين التي يجب أن تحترم في كل الأحوال.
إن الحديث حول دلالات مثل تلك الاعتداءات على حاضر ومستقبل الوطن كثيرة، ولعل الحفاظ على ما تبقى من تراث وآثار ومخطوطات اليمن غير وارد في الإسترتيجية الرسمية ، في مقابل تحفز المتربصين الموتورين ولصوص الآثار والمخطوطات اليمنية النادرة، ولكل ذلك أقترح على الجهات الرسمية إقامة مزاد علني يتم الإعلان عنه عالميا للتخلص مما تبقى من مخطوطات وغيرها عن طريق البيع،، لتمنح اليمن شهادة خلوها من الآثار والمخطوطات...إلخ، وبذلك تدر عملية المزاد مبالغ طائلة من العملة الصعبة لصالح خزينة الدولة، لا تذهب كما هو الحال الآن إلى الجيوب، وساعتها يحقق لكل الذين يصارعون طواحين الهواء، والذين يفزعهم وجود أثر تاريخي أو فكري أو أدبي يضاف لليمن إرادتهم وأحلامهم المريضة.
إن ثروة اليمن الفكرية والتاريخية أو ما تبقى منها يقدرها الآخرون حق قدرها، ولعل متاحف أوربا ومكتبات تركيا ومصر وغيرها أرأف بتراث اليمن العظيم من اليمن التي يباع فيها كل شيء بثمن بخس، وإن ما حدث لمكتبة جامع صنعاء والهادي بصعدة وغيرهما، مؤشر يدق ناقوس الخطر لما تبقى في اليمن من تراث..فهل من منقذ؟
Página 60