ملحق رقم (3) مقتطفات من صحف أخرى
1- من لا خير منه لماضيه لا خير له في مستقبله
بمشيئة الأقدار رأيته في أحد محلات بيع الهدايا الفضية بسوق الملح وهو يتفحص إحدى المخطوطات اليمنية القديمة بتمعن ودقة، ولفت منظره وهو يقلب أوراقها بشوق انتباهي، بدا لي من هيئته أنه شقيق عربي رمقته للحظات، ثم مضيت لحال سبيلي متذكرا تلك المدينة الهادئة الجميلة.
بعدها مرت عدة أسابيع وأثناء مروري في سوق الملح إذا بي أفاجأ به مرة أخرى وهو يتنقل بين محلات بيع الهدايا الفضية مما دفعني لسؤال أحد الأقرباء يملك إحدى محلات الفضة.. عم يعمل هذا الرجل؟ ومن أين هو؟ وماذا يريد؟فأجاب هذا الرجل يدعى (.....) يقوم بشراء أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة ويهربها إلى خارج البلاد، ثم يعود ليجمع أعداد أخرى وهكذا دواليك، ثم سألته: وبكم يشتري المخطوطة؟ أجاب: بخمسين دولارا إلى مائة دولار فقط.. كما أنه لا يقوم بهذا العمل وحده بل يرافقه آخرون يبحثون عن مخطوطات في أماكن أخرى..!.
تملكني الذهول مما سمعت وأحسست أن الأرض تدور من حولي..سألته بحنق: وكيف يخرجها من اليمن؟ أجاب: بطريقة أو بأخرى..! قلت له: أمتأكد من ذلك؟ قال: نعم مائة بالمائة ولأكثر من مرة، ودعته في ذهول ومضيت.
وأنا هنا أتساءل ومعي القارئ الكريم أين الجهات المسؤلة عن هذه الجريمة في حق وطننا الغالي؟ فإذا كان عذر الشخص الذي باع المخطوطة أنه محتاج أو جاهل بأهميتها وقيمتها الحقيقية فما عذر الجهات المختصة..؟
أقولها للأمانة أنه لا عذر لكم وأن هناك تقصيرا.. إذ كيف يخرج هذا الرجل محملا بأعداد كبيرة من المخطوطات الأثرية ولأكثر من مرة دون أن يلاحظه أحد، إنه شيء محير ويبعث على التساؤل بل وسوء الظن الذي نتمنى أن لا يقع على الجهات المعنية بالأمر، والذي يتوجب فيها الحرص على تراثنا وآثارنا اليمنية من السرقة والنهب والتهريب..
وإنه لا يخفى على أحد أن بلادنا تتعرض لمؤامرة إفراغها من تراثها العلمي والأدبي والأثري، مستغلين بذلك تدهور قيمة الريال مقابل الدولار.. مما يهيء سوقا رخيصة جدا جدا لغير اليمنيين، كما أن المخطوطات بالذات لا يمكن تعويضها أبدا كغيرها من المصنوعات الفضية والنحاسية، أما المخطوطة فهي ثروة علمية وأثرية معا لا تعوض أبدا فمن سيقوم بتأليف غيرها؟ الإجابة: لا أحد..ثم إن خروجها بهذا المبلغ التافه فيه خسارة عظيمة لليمن إذ أن مهربها سيبيعها بأسعار مضاعفة وخيالية لأي فرد أو جهة في أي بلد تقدر معنى كلمة (مخطوطة).
كما أننا بالسماح بخروجها من البلاد نخون ميراث الآباء والأجداد الذين تركوه لنا لنستفيد ونحافظ عليه.. فكم من الليالي سهروا في تأليفها ليسطروا فيها عصارة أفكارهم وثمار تجاربهم ووقائع أيامهم وتاريخ حضارتهم.. وكم من الآيام باتوا عاكفين على نسخها وتجليدها، ثم نأتي نحن وبكل بساطة وسذاجة ببيعها بأبخس الأثمان، بل وإخراجها من موطنها الأصلي لأناس آخرين يقومون ببساطة بطمس اسم المؤلف الأصلي وكتابة اسم آخر.
وإنني أتمنى أن لا يأتي اليوم الذي يقال لنا فيه: إنكم شعب لا حضارة ولا آثار ولا تاريخ لكم.. كما أن هذه المخطوطات وغيرها من الآثار القديمة تعتبر ثروة اقتصادية وطنية مهولة لو استغليناها الاستغلال الأمثل، وأنشأنا لها مراكز لشرائها ممن يريد بيعها من المواطنين، ثم يتم ترميمها وحفظها وعرضها في متاحف يمنية ثابتة أو معارض متنقلة إذا لجنينا منها أموالا تفوق الثروة النفطية وما مصر وغيرها من الدول إلا إلا أكبر دليل على ذلك.
لذا نرجو رجاء حارا من كل جهة مختصة أن تتحمل مسؤليتها بجد وأمانة وإخلاص؛ لأن الخسارة على الجميع فادحة ولا تعوض.. كما أن التاريخ لن يغفر ممن فرط في جذوره وكذلك الأجيال القادمة لن ترحم من باع تاريخها بأبخس الأثمان.
اسأل الله أن تصل هذه الصرخة المتحسرة على تراثنا المنهوب وأن لا تصبح كغيرها من الصرخات التي ذهبت أدراج الرياح.. وكلمة أخيرة قصيرة نفاعة أقولها لمن يعي معناها: (من لا خير منه لماضيه لا خير له في مستقبله).
سمير إسماعيل
رئيس قسم العلاقات الداخلية
وزارة الأوقاف والإرشاد
Página 61