ثانيا: الآفات الناتجة عن سوء الحفظ والتخزين.
معظم المكتبات التي زرتها غير محفوظة بطريقة صحيحة، وأغلبها عرضة للأوساخ والغبار والجفاف والرطوبة والتغيرات في درجات الحرارة، وفي أماكن ومخازن تساعد على نمو الفطريات، ومهاجمة الحشرات التي تجد في المادة السيليلوزية والمادة الغروية في الورق غذاء صالحا لها مع راتفاع الرطوبة النسبية أو نقصان التهوية، ونادرا ما وجدت مكتبة معتنى بها ومحفوظة حفظا جيدا، ولعل أهم الآفات التي تتعرض لها أغلب المكتبات:
(أ) الأرضة: وهي حشرة تتلف عشرات ومئات المجلدات المخطوطة وخصوصا في البلاد الحارة الرطبة كبلاد زبيد وسائر البلدان التهامية.
يقول الأستاذ عبد الوهاب المؤيد عن مكتبات زبيد التي زارها: (إن الأرضة هي الخطر الأول على المخطوطات هنا. ووحودها في مخطوطات زبيد أصبح شبه وجود ملازم لها، حيث كنت أرى حشراتها بوضوح في معظم المجلدات التي اطلعت عليها، وسمعت من المطلعين في زبيد أن الأرضة كانت السبب في تلف أكثر المخطوطات في زبيد خلال السنوات البعيدة والقريبة) إلى أن يقول: (تظهر آثار الأرضة وحشراتها على المجلدات، فلا يكاد يسلم مجلد من تلف الأرضة على الأغلفة والأوراق بنسب تصل في الحد الأعلى إلى 20
من المخطوطة الواحدة، وفي الأدنى إلى 5
تقريبا مع اختلاف في نسب وعدد العوامل المساعدة على انتشار واستفحال خطر الأرضة والتفسخ والتمزق والتصاق الصفحات في بعضها نتيجة سيحان الحبر...).
وأقول: إن أكثر المكتبات التي زرتها في بلاد جبلية مرتفعة، ومع ذلك وجدت الأرضة قد عبثت في مخطوطات عدد منها، وخرمت بعض أوراقها وأطرافها وأغلفتها، ووبعض المخطوطات التي وجدت فيها الأرضة آتية من بلاد تهامية، أما البعض الآخر فقد وضعت في مخازن غير مناسبة وأهملت لفترة طويلة من الزمن دون تعهد وعناية، وأذكر على سبيل المثال مكتبة السيد محمد بن يحيى الذاري فمع حرص أحد ورثته عليها وعنايته بها وحفظها في دواليب خشبية ومكان بارد تسللت إليها الأرضة وبدأت تنخر فيها وفي أدراجها الخشبية، وأتت على مجلدات نادرة وعبثت بأخرى؛ لأنها تركت مخزونة أكثر من عام، ولم يتوقع أحد أو يخطر بباله أن تتعرض لهذا الهجوم، ومن الحكايات الطريفة التي تروى ما حصل لإحدى المكتبات في زبيد، وكان مالكها أحرص الناس عليها وقد فكر في طريقة لإنقاذها من الأرضة فوضعها في صناديق محكمة واختار لها مكانا في أعلى البيت، وفوجئ بعد مدة أن صناديقه تلك قد عبث بها (الطائر النقار) وجنى على أخشاب الصناديق ووصل إلى أغلفة وأوراق بعض مخطوطاتها بسبب عدم تعهدها في فترات متقاربة.
(ب) الفئران: بعض المكتبات نتيجة لظروف وأحداث خزنت في صناديق خشبية أو أكياس (شوالات) القمح أو بدون، في أماكن مظلمة أسفل الدور تعرف ب(السوافل) فهاجمتها الفئران وأتت على بعضها وقضمت أطراف وأغلفة البعض الآخر وأغلب ما كان يستهويها في المخطوط هو جلده وخيوط حباكته، وهذا ما حدث لعدد من المكتبات التي مزقت الفئران حباكة مجلداتها ومزقت أوراقها.
(ج) نمو بعض الفطريات في بعض المخطوطات التي تعرضت للبلل أو تركت في أماكن رطبة مالحة، ووجود بعض الديدان والحشرات الغريبة عليها.
كذلك جنى الغرق والبلل الذي تعرضت له بعض المكتبات على عدد كبير من محتوياتها، وفي رفوفها وأماكن حفظها أتلف البلل الكثير من نوادر المخطوطات وسيح أحبارها وطمس معالم خطوطها وتسبب في التصاق أوراقها ببعضها، واهتراء وتآكل بعض أجزائها وتحلل البعض الآخر، ووجود التجعدات في الأوراق إلى آخر تلك الآثار الناتجة عن الغرق والبلل، وهذا ما لاحظته في عدد من المكتبات، وقد أشرت إلى ذلك عند فهرسة بعض مخطوطاتها.
Página 21