Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Géneros
ولذلك ذهب الملامتية إلى مخالفة لذة الطاعات وعدوها سموما قاتلة ، بل اعتبروا إظهار لذة الطاعات نوعا من الغرور والرياء. قال أبو حفص: «العبادات في الظاهر سرور وفي الحقيقة غرور؛ لأن المقدور قد سن فلا يسر بفعله إلا مغرور.»
85
بل قد يذهبون في المبالغة في هذه الناحية إلى حد القول بأن نسبة الطاعات والعبادات إلى العبد نوع من الشرك الخفي لأنها بمثابة الاعتراف بوجود إرادة للإنسان إلى جانب الإرادة الإلهية. يحكي أبو عثمان الحيري عن شيخه أبي حفص في هذا المعنى أن رجلا قال له: أوصني، فقال أبو حفص: «لا تكن عبادتك لربك سبيلا لأن تكون معبودا، واجعل عبادتك له إظهار رسم الخدمة والعبودية عليك، فإن من نظر إلى عبادته فإنما يعبد نفسه.»
86
ومن هنا كانت الطاعة عند الملامتية من مرض النفوس إذا فهمت على أنها وليدة الاختيار. ودواء ذلك الإنابة المطلقة إلى الله، والتسليم المطلق بمسبوق القضاء، بحيث لا يرى العبد لنفسه أثرا في عمله إطلاقا، فهم على حد قول رويم: «يتحركون ويسكنون ويختارون، ولكن حركتهم وسكونهم واختيارهم ليست من أعمالهم، فلهم حركة وسكون واختيار في الظاهر، وفي الحقيقة المحرك والمسكن والمختار هو الله.»
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى قد ضرب الملامتية للإخلاص في الطاعات والعبادات مثالا يقصر دونه كل عمل إنساني، ففيم إذن الافتخار والاعتزاز والمباهاة بالأعمال وهي قاصرة أبدا عن الوصول إلى درجة الكمال؟ وفي هذا المعنى يقول أبو يزيد البسطامي الذي ينطقه الملامتية بكثير من أقوالهم: «لو صفت لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء.»
87
وهنالك سبب ثالث من أجله قلل الملامتية من النظر إلى طاعاتهم وحقروا من قيمتها، وذلك أنهم قاسوا ما للعبد من طاعات وعبادات إلى ما لله على العبد من عطايا ومنن، فعظم في نظرهم الدين الإلهي الذي شعروا أنهم لن يؤدوه مهما بذلوا من الجهد. عظم عندهم ما لله في جنب ما للعبد، وصغرت في أعينهم أعمالهم في جنب أعمال الله؛ ولذلك نظروا دائما إلى ما عليهم لا إلى ما لهم، واعتبروا من نظر إلى أعماله غافلا، ومن اعتز بها مرائيا مغترا. بل اعتبروا نظر العبد إلى عمله من طاعة ومجاهدة وزهد وعلم ونحوها حجبا كثيفة تحول بينه وبين ربه، كما قال لسان حالهم أبو يزيد: «أشد الناس حجابا عن الله ثلاثة: عالم بعلمه، وعابد بعبادته، وزاهد بزهده.»
88
ولما أنكر الملامتية على أنفسهم الفرح بالطاعات والتلذذ بالعبادات وعدوا ذلك من الرياء والشرك الخفي، لم يبق أمامهم إلا البكاء والندم على ما فرطوا في جنب الله. وأجاز لهم البكاء بعض شيوخهم كأبي حفص، وخالفه فيه تلميذه أبو عثمان الذي كان يرى أن بكاء الأسف يذهب بالأسف وأنه بمثابة السلوى، والتسلي عن الأسف بالبكاء يقطع مداومة الأسف، ومداومة الأسف واجبة عنده.
Página desconocida