Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Géneros
اتهام النفس ولومها
وربما كانت فكرة اتهام النفس الأصل الذي تفرع عنه كل تعاليم الملامتية وأساليبهم. والاتهام والملام مترادفان في مذهبهم، وهما فكرتان تابعتان لرأيهم في طبيعة النفس كما أسلفنا.
وقد وقفوا من النفس موقف الاتهام والخصومة دائما، لا يرون لها معصية إلا اعتبروها من شيمتها، ولا طاعة إلا شكوا في إخلاصها فيها وتوجسوا خيفة من أمرها. والنفس في أصل طبيعتها في نظرهم مجبولة على الجهل والمخالفة والرياء، فإساءة الظن بها طريق لكشف خباياها وإظهار نزعاتها التي يرى الملامتي من واجبه مقاومتها؛ ولذلك جعل الملامتية سوء الظن بالنفس - في مقابلة حسن الظن بالله - أصلا من أصولهم. ودواء النفس من عللها السابقة الإعراض عنها، وتأديبها بمخالفتها، وصيانتها بملامتها وتقريعها. وبمقدار اتهام النفس تتضح عيوبها، وبمقدار معرفة الملامتي بعيوب النفس تكون معرفته بها.
ثم إن الملامتية ذهبوا في معارضة النفس كل مذهب ممكن، وأظهروا لها كل نوع من أنواع العناد، فهم يعلنون سيئاتهم ويخفون حسناتهم استجلابا للوم الناس وتعرضا لإيذائهم. وإذا أقبلت النفس على الناس عملوا على تنفير الناس منهم ليسلم لهم حالهم مع الله. وإذا ركنت النفس إلى شيء أو سكنت إليه أو استحسنت فعلا من أفعالها عمدوا إلى تذليلها وتحقيرها ومنعها مما تسكن إليه، وإذا رأت القبيح من أفعال الغير عمدوا إلى تحسينه، وإذا ظهرت لأحدهم حال أخفاها أو أنكرها. بل إنهم بالغوا في ذلك إلى حد أن أحدهم ليسلم على من يرد عليه كرها ولا يسلم على من يرد عليه طوعا، ويجالس من يحقره ويترك مجالسة من يكرمه، ويسأل من يمنعه ولا يسأل من يرضيه، إلى غير ذلك من أنواع معارضة النفس ومصادمتها في كل رغبة من رغباتها.
83
الرياء في الأعمال
سبق أن ذكرنا أن الملامتية يفهمون الرياء بمعنى إظهار كل ما هو غير حقيقي، وأن الحقيقة عندهم هي أن الله هو الفاعل لكل شيء، المريد لكل شيء، الواهب على سبيل المنة والفضل كل خير في الدنيا والآخرة بما في ذلك ثواب الأعمال. ومن الحقيقة عندهم أيضا أن كل ما يجري في الكون سواء في ذلك أفعال العباد أو غيرها قد قدر أزلا، وأن من العبث الوصول إلى غير المقدور.
فنظرتهم المتشائمة إلى النفس من ناحية، ونظريتهم في الجبر من ناحية أخرى قد وجها مذهبهم هذا الاتجاه الشاذ الذي قضى على قيمة كل عمل ومحا قيمة كل جزاء.
ولا تخلو أعمال العبد عن أن تكون طاعات أو مخالفات، فإن كانت طاعات كانت مما يجريه الله على يد العبد مما قدره أزلا، وإذن لا معنى في نظر الملامتية للفخر أو الاعتزاز بها. وأي مبرر يبرر استشعار اللذة بالطاعة أو الغبطة بها وهي ليست من عمله؟ قال بعضهم: «من أراد أن يسقط عنه الافتخار بما هو فيه أو النظر إلى ما هو عليه، فليعلم من أين جاء، وأين هو، وكيف هو ولمن هو، وممن هو، وإلى أين هو؟ فمن صح له علوم هذه المقامات لم ير لنفسه حظا ولم يظهر له حظ بحال، بل يراها مذمومة الكون ساقطة الأفعال، لا يبقى له من ظاهره افتخار ولا من باطنه اغترار.»
84
Página desconocida