وجواب ثان: هو أن ألفى أكثر حروفا من وجد فناسب لفظ ألفى طول آية البقرة وناسب لفظ وجد إيجاز آية لقمان مراعاة لفظية ملحوظة فى البلاغة فحصل التناسب فى اللفظ والمعنى والله أعلم بما أراد.
الآية التاسعة والعشرون: قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم "، وجاء فى ثلاثة مواضع "وما أهل لغير الله به " أولها فى سورة المائدة: "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به "، والثانى فى سورة الانعام: "قل لا أجد فى ما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به "، والثالث فى سورة النحل: "فكلوا مما رزقناكم حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ".
يتعلق بهذه الآى الأربع خمسة سؤالات: أحدها تقديم المجرور الذى هو "به " فى سورة البقرة وتأخيره فيما سواها الثانى تخصيص آية البقرة بقوله تعالى: "فلا إثم عليه "، الثالث: تخصيص آية الانعام بقوله "فإن ربك غفور رحيم "، الرابع: زيادة ما زيد فى آية المائدة من المحرمات، الخامس: تخصيص آية المائدة بقوله تعالى "فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم ".
والجواب عن الأول: أن العرب مهما اعتنت بشئ أو قصدت به قصد زيادة من تأكيد أو تشريف قدمته أو قدمت ضميره وليس من كلامهم إجراء هذه الاغراض مجرى غيرها فلكل مقام مقال ألا ترى قول قائلهم: إياك أعنى وقول مجاوبه: وعنك أعرض وأنشد سيبويه ﵀:
لتقربن قربا جلديا ما دام فيهن فصيل حيا
فتقديم فيهن يحرز معنى لا يحرزه التأخير وقال تعالى: "ولم يكن له كفوا أحد " وبسط هذا فى مظانه وقال تعالى: "فبذلك فليفرحوا " وقال تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين " وهو كثير فى
1 / 57