عليه القرآن كانت مظنة لبيان أن الرزق عن الماء قال تعالى: "ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات " وقال تعالى: "ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد "، فقال فى سورة الجاثية: "من رزق " تسمية للماء بما عنه يتسبب وتكون مبالغة فى بيان ما تقدم كما قال تعالى "وفى السماء روقكم وما توعدون ".
الآية الثامنة والعشرون: قوله تعالى: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " وفى سورة لقمان: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا " فللسائل أن يسأل عن الفرق ووجه اختصاص كل من الموضعين بالواو فيه؟
والجواب: أنه لا يقال ألفى بمعنى وجد التى فى قولهم: وجدت الضالة فتتعدى إلى واحد ولا يقال ألفى بمعنى وجد التى بمعنى علم متعديا إلى اثنتين وما يقع منتصبا بعد مفعوله فى مثل قولك: ألفيت زيدا عالما فإنما انتصابه على الحال بدليل أنه لا يوجد إلا نكرة.
فوجد لفظ مشترك يقال بمعنى العلم وبمعنى العثور على الشئ والذى هو الوجدان تقول من هذا وجدت الضالة أى عثرت عليها وإذا تقرر هذا فنقول إنه قد تقدم قبل آية البقرة قوله تعالى: "يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان "، ثم قال: "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " وخطوات الشيطان وأمره أهواء مضلة، وذلك كله فى طرف نقيض من مقتضى العلم وحصل من هذا أن الشيطان هو الذى يأمرهم ويدعوهم إلى أن يقولوا على الله ما لا يعلمون فحصل من هذا أنه لا علم عندهم ولا توهم علم، وإنهم اعتمدوا اتباع آبائهم فيما يأمر به الشيطان فناسب هذا قولهم "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " لأن ما ألفوا عليه آباءهم وجدان لا علم معه حاصلا ولا متوهما فناسب جوابهم ما عليه حالهم وما هم عليه ولما تقدم فى سورة لقمان قوله تعالى: "ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " فحصل ذكر "علم " وإن كان منفيا ولأن جدالهم ينبئ أنهم توهموا أن ذلك علم وأنهم على شئ فقد حصل من مجادلتهم أنهم يظنون أنهم على علم كما قال تعالى: "يحسبون أنهم على شئ " ولا يجادل إلا متعلق بشبهة يظن أنها علم فناسبه قوله تعالى مخبرا عنهم: "بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا " لاشتراك لفظ وجد إذ يكون بمعنى العلم.
1 / 56