[المروءة]
يا بني: ولا تجر عن قصد السداد، فيما أنت فاعله وتاركه إلى يوم التناد، وكل ما أوجبته عليك الحقوق، تأديت منه إلى كل عدو وصديق، فافهم، يا بني: ما أصلت لك من فروع الأدب والحكمة.
ومن زعم أن المروءة لا تصلح إلا بالمال، فقد أضل في المقال، لأن المروءة قد تنقاد لذوي الإقلال، وتصآعب على ذوي الأموال.
وللمال موقع من بعض القلوب، يكاد أن يخرج صاحبه إلى الأمر المعيب، حتى تذهب مروءته، وتغلب عليه حلاوته، فتنهد ذروته، وينطمس كرمه وحريته.
وللمروءة في المال أنصبآء، تتشعب فيه شعبا، وليست المروءة بمعدومة في أحد إذا جد في طلبها، وأتاها من بابها، وليست لها أثمان تباع بها، إنما هو جميل تقوله، أو خير تفعله، أو معروف تبذله، أو إقصار عن الاكثار إذا لم يكن للكلام موقع، فهذه خلال يكون لك بها في المروءة قدر وموضع ، تستوجبه بها، إذا لم يمكنك الاستكثار من غيرها، وكلما ازددت، أدركت ما طلبت، وقد أوضحت لك ما تطلب به المروءة بأحسن الإيضاح، وكنت لك أنصح النصاح، فإن أخذتها باللين - يا بني - سلس لك مقودها، وإن غلظت شسع عنك عتيدها، وصار نحسا عليك سعودها، فأسعد الأدب يا بني بالحكمة.
Página 192